وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

رامي الريّس

كثيرة هي المصطلحات التي أطلقتها مراجع رسمية وقوى سياسية داخلية تفاخر وتجاهر بقوتها وجبروتها السياسي، وتعمل ليل نهار لتثبت للرأي العام أن التاريخ اللبناني الحديث إنطلق معها، وأن كل ما سبقه لا يعدو كونه مجرد حقبات مرت مرور الكرام!

من “الرئيس القوي” إلى “العهد القوي” إلى “التمسك بالصلاحيات الدستورية” إلى “تعديل الطائف بالممارسة” وسواها من العناوين التي ملأت الحياة السياسية ضجيجاً وقرقعةً وجعجعةً دون طحين!

فلنعد لبعض الوقائع، لعل ذلك يفيد في إنعاش ذاكرة البعض من أصحاب النظريات الطاووسية اللبنانية:

أ- لبنان يرتكز على قاعدة توازنات سياسية داخلية دقيقة (غالباً ما كان لها علاقة بالتأثيرات الإقليمية المحيطة)، ودلت التجارب التاريخية المعاصرة أنه في كل مرة إحترمت القوى الداخلية (وإستطراداً الخارجية) هذه التوازنات، تكرس الإستقرار السياسي؛ وكلما تم التعرض لها والسعي للإخلال بها، كلما إهتز السلم الأهلي مؤدياً في بعض الأحيان للسقوط في دوامة من العنف والنزاع المسلح.

بطبيعة الحال، هذا الكلام ليس من باب التهويل أو التهديد على الإطلاق، إنما من باب قراءة الوقائع التاريخية والأحداث كما حصلت مع تشابكاتها المحلية والإقليمية والدولية.

ب- لقد كلف التوصل لوثيقة الوفاق الوطني اللبناني (إتفاق الطائف) خسائر بشرية ومادية واقتصادية هائلة، وهو وُلد في لحظة تقاطع دولي- إقليمي- عربي وأسكت المدفع وأطلق إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الأهلية اللبنانية.

من نافل القول أن توفر ظروف جديدة مؤاتية لإستيلاد تسوية سياسية مغايرة لإتفاق الطائف (كما يطالب البعض تكراراً وبطريقة صبيانية بالدعوة لعقد مؤتمر تأسيسي) غير قائم في اللحظة الراهنة.

لذلك، المطالبة بتعديل الإتفاق أو التبجج بتعديله بـ”الممارسة” إنما يضع البلاد أمام منزلقات خطيرة نحن بغنى عنها.

بطبيعة الحال، ليس “إتفاق الطائف” إتفاقاً مقدساً، ولكن الواقعية السياسية تقتضي الحفاظ عليه. وبدل المفاخرة بسوء تطبيقه فلتسعَ القوى الفخورة بعضلاتها السياسية لتطبيق واستكمال البنود غير المنفذة منه وفي طليعتها إلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ والإنماء المتوازن وسوى ذلك من العناوين الهامة.

ج- ليس الدستور كتاباً يزيّن رفوف هذه المكتبة الرئاسية أو تلك. إنه القانون الأعلى في البلاد الذي يفترض تطبيقه دون إنتقائية أو إستنسابية. ولكن بالنظر إلى المسيرة السياسية لبعض القوى، هناك شكوك حقيقية أن تستطيع تلك الأطراف أن تحافظ على الدستور (الذي هو الطائف عملياً) بعد أن خاضت ضده حروباً مدمرة، ثم بعد أن إرتضته راحت تصفعه مراراً وتكراراً مرة تحت عناوين الميثاقية ومرات تحت عناوين تحصيل الحقوق السياسية المهدورة، وبعد أن إنتهجت تعطيل المؤسسات ومقاطعتها وشل عملها فهل الدستور هو كتاب للترفيه عند الحاجة ومرجع عند تطابقه مع المصلحة السياسية الفئوية لهذا الفريق أو ذاك؟

من حق اللبنانيين أن يعيشوا تغيراً إيجابياً في الحياة السياسية والوطنية، ولكن ذلك يتطلب أولا إحترام عقولهم وفهمهم وعدم تشويش المفاهيم الأساسية لعمل المؤسسات الدستورية ودورها وتطورها فضلاً عن مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها.

فلتعد كل القوى إلى حجمها الطبيعي، ولتقرأ في الوقت الضائع (إذا كانت تقرأ) كتب التاريخ، علها تستلخص العبر والدروس وتوفر على البلاد والعباد مغامرات مجربة، ونحن بغنى عنها!

——————————

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريّس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!

عن كمال جنبلاط الرؤيوي: سنواصل مسيرة النضال…