للتريث في قراءة مفاعيل التريث!
رامي الرّيس
1 ديسمبر 2017

التطورات السياسية التي شهدها لبنان في الأسابيع الأخيرة الماضية قد تكون غير مسبوقة شكلاً ومضموناً، وتالياً الخلاصات والإستنتاجات المرتبطة بها تنطوي على مغامرة كبيرة لا سيما لناحية شح المعلومات والمعطيات المتصلة ببعض مفاصلها ناهيك عن تضاربها في بعض الأحيان، بالتوازي مع تحريك المخيلة الخصبة لبعض الإعلاميين في أحيان أخرى.
بصرف النظر عن الإرتباطات التي رافقت هذه الحقبة المُلتبسة بأحداثها وأبطالها، ثمة خلاصات سياسية أكيدة سوف ترسم معالم المرحلة المقبلة:
أ- تبدو العودة عن الإستقالة حتمية ولا تعدو كونها مسألة أيام معدودة، والتريّث كان عنواناً إنتقالياً قبل عودة الرئيس سعد الحريري لممارسة مهامه السياسية والحكومية على أكمل وجه. وبمعزل عن القراءات الدستورية (إذ ذهب بعضها إلى حد القول أن طريقة الإستقالة والتعاطي معها ولّد أعرافاً جديدة لا يمكن تجاوزها في المُستقبل)، واضح أن المرحلة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية ستدفع جميع القوى لإلتقاط الأنفاس قبل الجولة الجديدة من الصّراع.
ب- على المُستوى الدّاخلي أيضاً، لم يعد ممكناً تجاوز كل تفاصيل حقبة الإستقالة والتريّث لناحية إعادة خلط الأوراق وعودة الأمور إلى الوراء في بعض التحالفات السّياسية التي كانت حتى الأمس القريب تحالفاتٍ محسومة لا تشوبها شائبة.
ومن غير المستبعد تالياً تمتين تحالفات وفك أخرى وولادة تحالفاتٍ جديدة، وهو ما سيؤدي عملياً إلى رسم خارطة سياسية جديدة في لبنان مناقضة لتقسيمات 8 و 14 آذار التي إنتهت مفاعيلها وصار هناك عناوين جديدة فرضتها المرحلة. ولذلك، ولادة أكثريات جديدة مغايرة بطبيعة تركيبتها للأكثريات السابقة أصبح بمثابة الأمر الواقع ويبقى أن يعبّر عن نفسه في صناديق الإقتراع.
ج- يبقى ملف السياسة الخارجية اللبنانية الذي لطالما كان ملفاً إشكالياً عميقاً بالنظر إلى الإنقسام اللبناني المحلي حيال الأطراف الفاعلة إقليميّاً وطبيعة العلاقة التي يفترض أن ترتسم معها. وعلى مرّ العقود، كان لبنان منصة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية، ولكن ما برز في قضية إستقالة الرئيس سعد الحريري أن الخيار الدولي بالحفاظ على إستقرار لبنان لا يزال خياراً قائماً.
ولكن، نظراً لتبدّل المصالح الدوليّة والحسابات بين الأقطاب الإقليمية والدولية، لا يمكن الركون إلى أن هذا الخيار هو خيار “أبدي”؛ بل هو خيار مرحلي قابل للتّبدل مع تبدّل الظروف والمناخات العالمية، دون أن يعني ذلك الإنتقاص من أهمية هذه اللحظة وضرورة إقتناصها لبنانياً!
وعليه، الكلام المتواصل دون إنقطاع عن النأي بالنّفس والحياد والتحييد والإستراتيجية الدفاعية والحوار، لا يمكن أن يستمر ما لم توضع له أرضية سياسية صلبة تتشكّل من تفاهمات وطنية عريضة يتم تخريجها في هذه اللحظة حيث مناخات التقارب الوطني تبدو عالمية قياساً بمراحل سابقة، فتتولد عنها مجموعة من الثوابت التي كانت موضع خلاف عميق بين اللبنانيين ورعاتهم الإقليميين!
… ولكن، كما في كل مرّة، تبقى العبرة في التنفيذ.
——————————
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة