المعركة طويلة!

رامي الريس

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن نقاش يدور على أعلى المستويات القيادية في الولايات المتحدة الاميركية يتعلق بتحديد الخطر الإرهابي الذي قد يكون محدقاَ بأراضيها وتحديد مصدر هذا التهديد وما إذا كان مصدره الأساسي تنظيم “القاعدة” أم تنظيم “الدولة الاسلامية”.

وتشير الصحيفة الى أن السبب الرئيسي لهذا الانقسام العميق في تحديد الجهة التي تمثل خطراً أكبر بسبب القدرات العالية لـ “داعش” لا سيما في مجال وسائل التواصل الإجتماعي التي تستخدمها للترويج للأعمال الارهابية داخل الأراضي الأميركية، فضلاً عن طبيعة الأعمال التي يقوم بها كل من التنظيمين كماً ونوعاً.

ولا ينفي ذلك، بطبيعة الحال، بحسب آراء تلك القيادات الخطر الذي تمثله “القاعدة” التي ترى أنها قد تكون في صدد الإعداد لأعمال إرهابية أكثر ضخامة وتلحق ضرراً فادحاً في المجتمع الأميركي.

وتشير المعلومات الى وجود نحو 3400 مقاتل أميركي في العراق للتدريب على مواجهة “داعش” يقابلهم نحو 9800 في أفغانستان لدعم القوى الأمنية الرسمية لمكافحة “طالبان”، “القاعدة” وقوى متطرفة أخرى موجودة هناك.

مهما يكن من أمر، فإن “الجهود” المتأخرة والمتواضعة التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية يبدو أنها لا ترتكز الى مسألة غالباً ما لا تعيرها الإدارات الأميركية أي إهتمام وهي بالتحديد مسؤوليتها عن إستيلاد تلك المنظمات ودورها، المباشر وغير المباشر، في تغذيتها وتقويتها.

The US flag flies at half staff on the US Capitol

 فهل يمكن لها أن تتناسى، مثلاً، دورها في دعم أسامة بن لادن في أفغانستان لمواجهة الإحتلال السوفياتي في خضم حربها “الباردة” التي إستمرت لعقود مع موسكو؟ وهل يمكن أن تتغاضى، مثلاً، عن انحيازها الدائم والمستمر الى جانب إسرائيل وكل ما قامت به من تنكيل بالشعب الفلسطيني من دون أن تمارس الضغط عليها للإعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين والتي يناضلون في سبيلها منذ العام 1948؟

وهل يمكن تحويل النظر عن الحروب التي خاضتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش عند غزو افغانستان (2001) والعراق (2003) وملاحقة أسامة بن لادن مما أفسح المجال أمام طهران لتمد أذرعها الى كل الساحات العربية رويداً رويداً وتنشىء فيها تنظيمات وتيارات ومواقع نفوذ متعددة الأوجه والأهداف؟ طبعاً، ليس القصد على الإطلاق من هذا الكلام الدفاع عن صدام حسين أو الملا عمر أو أسامة بن لادن فلكل من هؤلاء تاريخه الإجرامي والإرهابي، ولكن القصد هو تسليط الضوء على السياسات الأميركية التي تخلف وراءها أضراراً كبيرةً.

 وحتى عندما سعى الرئيس الأميركي باراك أوباما بعيد إنتخابه الى “فك إرتباط” الولايات المتحدة بالعراق وأفغانستان، فإنه قام بذلك بطريقة سيئة لم تأخذ بالإعتبار النتائج السلبية للسياسات الجديدة سواء على هذين البلدين أو على المنطقة العربية ككل أو على الولايات المتحدة نفسها والدليل هو هذا النقاش الحاصل في إدارتها اليوم.

مستوطنيين

لو تحركت الولايات المتحدة والغرب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة لما وصلت الأمور الى هذا القدر من الخطورة على السلم العالمي وعلى الأمن القومي الأوروبي والأميركي. فعند إنطلاق الثورة السورية، إكتفى الغرب بالتفرج وإطلاق بعض المواقف الإعلامية التي لم تكن تقدم أو تؤخر، ولو تدخل في الوقت الملائم لما كانت إستطاعت بعض القوى، التي أصبحت من اللاعبين الأساسيين في سوريا، أن تحقق ذاك الحضور القوي وأن تحدث هذا التحول الإستثنائي في مسار الأحداث..

في المانيا، أصدر القاضي الألماني فرانز كومبيشك قراراً بالسجن لأربع سنوات للجندي النازي السابق أوسكار غرونينغ (94 عاماً) الذي كان “يستقبل” المعتقلين اليهود في “أوشفيتز” ويأخذ مقتنياتهم وأغراضهم الشخصية. صحيح أن المحرقة كانت جريمة مرفوضة ومدانة من الناحية الانسانية والإخلاقية، ولكن الغرب لن يعرف كيف يخرج من تلك العقدة التاريخية والشعور بالذنب وهو ما يتيح لإسرائيل أن تمارس “إرهاب الدولة” دون أن يحاسبها  أحد عليه طوال أكثر من سبعة عقود.

فالإرهاب إرهاب سواءً أتى من النازية أو الصهيونية أو الأنظمة الديكتاتورية التي ترعرعت في كنفها تلك الجماعات المتطرفة.

 إنها معركة طويلة.

———————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!