لماذا عاقب حزب الله نجيب ميقاتي

د.صلاح ابو الحسن

قبل أكثر من سنتين وبالتحديد في 12 كانون الثاني 2011، وقع الإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وتم تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد حوالي سبعة أشهر (7 تموز 2011) بعد مفاوضات شاقة، وعُرفت في حينه بحكومة “حزب الله”، باعتباره “المايسترو” الأساسي في عملية التشكيل وتوزيع الحقائب..

“المايسترو” الذي انقلب على الحريري قبل أكثر من سنتين هو ذاته الذي تخلّى عن حكومة ميقاتي، مع فارق بين الحالتين ان الأولى أٌسقطتت “ديمقراطيا” عبر وزراء ميشال عون وحزب الله وامل والوزير الملك عدنان السيد حسين، والسبب كان المحكمة الدولية وشهود الزور، فيما الثانية سقطت بفعل استقالة رئيسها.. وقد يكون استبق إسقاطه..

وللتذكير فقط، يومها ردّ الفريق الذي أسقط حكومة الحريري السبب، الى “عجز حكومة الحريري عن اتخاذ القرارات المتصلة بقضايا المواطنين والوطن”.. وكأن الشؤون الخدماتية اليوم، من كهرباء وماء وهاتف وطبابة وأوضاع معيشية وأمن واستقرار و.. في أبهى صورها!!..

وللتذكير أيضا، فإن قرار اقالة حكومة الحريري فرضه يومها انقلاب اقليمي – سوري على ما كان يُعرف بـ”السين – السين”..

والحكومة “المستقيلة” اليوم جاءت استقالتها ايضا نتيجة تبدلات سورية – إقليمية – دولية ترجمها حزب الله “حربا استباقية” لمعركة التعيينات ومعركة رئاسة الجمهورية، عبر قانون انتخاب يؤمّن له ولحليفه ميشال عون أكثرية نيابية وازنة.. المهم استبعاد وليد جنبلاط!!

وهذا يعني، انه لا سليمان آخر عام 2014 ولا ميقاتي ثاني وحتما لا مكان لسعد الحريري في المعادلة السياسية المقبلة.. ولذلك، يبدو ان سقوط الحكومة ليس إلا بداية الإنقلاب!!..

والمعروف، ان الرئيس نجيب ميقاتي مرّ بظروف قاسية جدا، وعمل جاهدا، لتحسين صورته وصورة حكومته عربيا ودوليا، ولم يكن من السهل أبدا، تسويق حكومة يقودها “حزب الله”، خاصة في الدول العربية وكذلك في المحافل الدولية، في وقت كان القسم الأكبر داخل الحكومة لا يتوانى عن مهاجمة دول الخليج العربي التي تحتضن حوالي 800 الف لبناني يعملون فيها مع ما يعني ذلك من دعم للإقتصاد الوطني المهتز نتيجة الفساد والسرقات ووضع اليد على بعض مرافق الدولة..

ورغم ان غالبية الحكومة كانت مكونة من فريق سياسي واحد مرتهن لسياسة “حزب الله”.. وكم كان الإرتهان واضحا، جعلت البعض يزايد فيما خصّ حقوق المسيحيين أكثر من بكركي، والبعض الآخر من المسيحيين بات “مقاوما” و”جهاديا” أكثر بكثير من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. وهذا شيء جيد لو كان حقيقيا.. لكنه للأسف مجرد تكاذب!!
السؤال: لماذا تخلى حزب الله عن حكومته، ولماذا بعث برسالة الى الرئيس ميقاتي عبر بعض الوزراء: “اذا أردت الاستقالة فافعل”؟؟!! وهذا ما دفع ميقاتي الى الإستعجال باخذ القرار.

هناك أكثر من سبب على ما يبدو، أدّى الى الدفع باتجاه الإستقالة، رغم اعتبار الحكومة مصدر استقرار في ظل الأجواء الإقليمية وخاصة السورية، ولكن يبدو ان الكيل قد طفح من الجهتين، وأبرز هذه الأسباب:

اولا، موقف الرئيس ميشال سليمان الذي رفض الإتصال بالرئيس بشار الأسد على أثر اغتيال اللواء وسام الحسن، وقوله انه ينتظر إتصالا منه لتوضيح بعض الأمور.. ووجهت له انتقادات قاسية نتيجة ذلك من قوى 8 آذار، إضافة الى مطالبته القضاء خلال تأبين وسام الحسن الإسراع في التحقيق في قضية ميشال سماحة واللواء علي المملوك..
ثانيا، تمسك الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي بـ”اعلان بعبدا” والتأكيد على جميع الأفرقاء الإلتزام بسياسة “النأي بالنفس” عن الأزمة السورية.. ومثال الإلتزام كان الوزير عدنان منصور!!..

الا يعني كلام محمد رعد بعد استقالة ميقاتي ان: “رئيس الحكومة هو صاحب نظرية النأي بالنفس”، ان حزب الله لم يكن بالأساس مع إعلان بعبدا ولا مع سياسة الحكومة؟؟..

ثالثا، هل ينسى حزب الله وفريقه تمرير نجيب ميقاتي تمويل المحكمة الدولية، وهذا الموقف يٌسجّل له، حيث ان التمويل للمحكمة في حكومة 8 آذار هو اعتراف بها وبشرعيتها؟؟

رابعا، موقف الرئيس ميشال سليمان من الإعتداءات السورية على لبنان والطلب من وزير الخارجية اللبنانية إبلاغ هذا الموقف الى السوريين عبر سفيرهم في لبنان.. وهذه المواقف كان يعتبرها “حزب الله “خطا أحمر” وتستحق معاقبة رئيسي الجمهورية والحكومة..
وهل عصيان وزير الخارجية لتعليمات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، توجيه مذكرة احتجاج الى سوريا على خلفية خرقها السيادة اللبنانية، وأخذه مواقف في اجتماعات الجامعة العربية مناقضة لسياسة الحكومة اللبنانية بل هي أقرب لسياسة النظام السوري، وتحويل وزارة الخارجية اللبنانية منبرا يوميا للسفير السوري في لبنان، لتوجيه الإنتقادات للمسؤولين اللبنانيين.. هل كل هذا أمر طبيعي؟؟ وهل مطالبة عدنان منصور بإلغاء تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية وتبرير طلبه بأنه “اجتهاد شخصي لا يلزم الحكومة”.. يعبر عن “النأي بالنفس”؟؟

خامسا، المواقف الوطنية الشجاعة التي أطلقها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، وتصدّى فيها لتفرد حزب الله ببعض المواقف الخارجة عن سياسة الدولة.. ومنها طائرة “أيوب”، فيما كان حزب الله عبر ميشال عون الوكيل الحصري للحزب، لا يفوت فرصة دون الهجوم على رئيس الجمهورية وعلى الرئاسة..

سادسا، الموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية من “القانون الأرثوذكسي” ورفضه السير بقانون يعزز الخطاب الطائفي في لبنان، فيما كان همّ “حزب الله” أن يصطاد عصفورين بححجر واحد، تأكيد وقوفه الى جانب حليفه المسيحي ميشال عون وبالتالي إحراج مسيحيي 14 آذار والمسيحيين المستقلين من جهة، والحجر الثاني ضرب دور وليد جنبلاط المستقل والذي بات يعرف بـ”بيضة القبان” أو الكفة المرجّحة. فالهدف بالنهاية هو الحصول على أكثرية نيابية تحدّد رئيس الجمهورية المقبل..

سابعا، معركة التعيينات الأمنية والعسكرية في الحكومة المقبلة وفي العهد القادم، وهذا هو جوهر رفض التمديد للواء أشرف ريفي، حيث أن الهدف هو “شعبة المعلومات” رغم الدور الكبير الذي لعبته في كشف شبكات عملاء اسرائيل والتي كانت تتم في غالب الأحيان بالتنسيق مع جهاز الأمن التابع لحزب الله، لكن “الخطيئة” التي لا تٌغتفر لهذه “الشعبة” كشفٌها شبكة سماحة – المملوك التي أنقذت لبنان من الكارثة. وهذه “الخطيئة” هي التي قتلت الشهيد اللواء وسام الحسن..

دون أن ننسى دور وسام عيد ووسام الحسن الأساسي في كشف خيوط اغتيال رفيق الحريري ومساهمتهما في دعم المحكمة الدولية للوصل الى الخيوط التي أدّت الى توجيه الإتهامات..

وللتذكير فقط، فإن “القرارين المشؤومين” اللذين أدّيا الى اجتياح بيروت في 7 ايار واجتياح الجبل في 11 أيار 2008، بسبب طلب اقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، وبحجة أن شبكة الإتصالات هي العمود الفقري للمقاومة.. لا يمكن التفريط فيها، وهي خط أحمر..

والسؤال هنا، ألا توازي شبكة الإتصالات الخاصة بحزب “مقاوم”، “شعبة المعلومات” التي حمت المقاومة وحمت كل لبنان من الإنفجار ومن المؤامرات؟.. وأيضا ألا يساوي اللواء أشرف ريفي، رفيق الشهيد وسام الحسن، في الحسابات الأمنية العميد وفيق شقير.. حتى نستغرب حماسة الرئيس ميقاتي لجهة التمديد للواء ريفي مع ان المقارنة ليست عادلة؟؟..

نعم اللواء أشرف ريفي لا يمكن التفريط فيه خاصة في هذه الظروف بالذات، خاصة إذا كان البديل المطروح موضع شكوك في تاريخه وفي وطنيته.. ومجرد طرحه وتداول اسمه هو مشروع فتنة.

وأخيرا، الى متى ستستمر سياسة “فائض القوة” بالتحكم بمصير أمن اللبنانيين وحياتهم وقوتهم ومعيشتهم؟؟.. شاء من شاء وأبى من أبى.. والى متى سيبقى هذا الإنبهار بالقوة والذي هو عنوان التحكم برقاب العباد؟؟..