المشروع الأميركي في خدمة الهلال الشيعي

د.صلاح ابو الحسن

بعد تسع سنوات من الاحتلال الاميركي للعراق، خرج في كانون الاول 2011، وسلّم مفاتيح الدولة المدمرة والمفككة الى ايران..

قبل خمس سنوات، اغتيل الرئيس رفيق الحريري، وكانت “ثورة الأرز” التي اعتقدنا انها ستغير وجه لبنان..

أخطانا في الحسابات يومها عندما اعتقدنا ان المحكمة الدولية التي أقرت بموجب القرار 1757 والتي صادق عليها مجلس الوزراء في 13 تشرين الثاني 2006، ستنال من القتلة، وحده وليد جنبلاط رغم دفاعه عن المحكمة، لم يكن مقتنعا بالعدالة الدولية.. ويوم إقرارها قال: أتمنى ان لا نكون قد أخطأنا بإقرار المحكمة الدولية..

أخطأنا، ربما، بالمغالات بأهمية “المحكمة” والرهان عليها، وان لم نكن مخطئين في توجيه الإتهام السياسي الى النظام السوري وشركائه اللبنانيين..

وأخطأنا يومها، ربما بحصرية الإتهام السياسي.. ولكن قراءة تطور الاحدات وصولا الى المرحلة الراهنة، تُبلور أكثر فأكثر، دور الولايات المتحدة الأميركية، في استدراج النظام السوري وحلفائه، للتورط في تنفيذ الجريمة.

نعم جريمة اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، هي التي أججت العداء السني – الشيعي في لبنان ثم في المنطقة، وايضا كان وليد جنبلاط في طليعة المحذرين من الفتنة، والذي شبّه تسريبات “دير شبيغل” في 23 ايار 2009، لاسماء المتهمين بالاغتيال بـ”بوسطة عين الرمانة”..

اليوم، بوادر الفتنة السنية – الشيعية في أعلى درجاتها.. والسياسة الأميركية ليست بعيدة عن هذا التسعير.. ولكن بأياد محلية..

للأسف، “حزب الله” و”النصرة” وكل “الاصوليين” من كل المذاهب والجهات ليسوا سوى ادوات “صغيرة” في مسار اللعبة الدولية.. ولعبة الأمم..

حزب الله ليس سوى “فصيل” عسكري في جيش ولي الفقيه الإيراني.. وأمر عملياته العسكرية والأمنية، تأتي من هناك.

“النصرة” وأخواتها، وهم كُثر، إذا لم نقل انهم من اختراع النظام السوري وحلفائه، فهم بالتأكيد يخدمون السياسة الأميركية والأوروبية ويخدمون روسيا وايران واسرائيل.. فيما الثورة السورية هي المتضرر الأكبر من تواجدهم على الأرض السورية.. والنظام السوري خبير “محلّف” ومتخصص بتصدير “المتطرفين” كما حصل في لبنان والعراق.

اسرائيل مطمئنة لوجود الجيش “الأسدي” في الجولان الى جانب القوات الدولية (اندوف).. واسرائيل أعلنت في أكثر من مناسبة ارتياحها لوجود قوات الأسد و”حزب الله” على حدودها من الجولان إلى لبنان.. لحمايتها من “الارهابيين”، وكانت لتطمئن أكثر لو تمّ استبدال القوات النمساوية المنسحبة بقوات روسية..

وطبعا، فان حزب الله الذي ذهب الى “القصير” لحماية “ظهر” لبنان من “المتطرفين” و”الارهابيين” الزاحفين من سوريا، هو مطمئن حتما لـ”ظهره” جنوبا، والا لما كان أدار وجهته شرقا وشمالا.. ولولا التطمين لكانت “أفضل فرصة” لاسرائيل لشن حربها على لبنان!!..

يبدو ان مشاعر “الاطمئنان” متبادلة بين الطرفين..

وهذا يذكّرنا باطمئنان العدو الاسرائيلي الى وصول قوات الجيش السوري عام 1976، الى حدوده، وكانت سبقته يومها التطمينات الروسية والأميركية.. الى ان اسرائيل غير مستهدفة!! انما المستهدف هم “الارهابيون” الفلسطينيون.. وللتذكير كلمة “ارهابي” مصطلح اسرائيلي.

وهل توازي وقاحة بوتين عندما يقول: “نحن نرسل الأسلحة الى حكومة شرعية”.. فيما يحذر من ارسال بعض الأسلحة الى المعارضة السورية التي يمكن ان “ينتهي بها الأمر يوماً ما الى استخدامها في اوروبا”..

الا وقاحة وعهر محمد رعد الغارق في دم السوريين في “القصير” وريف دمشق، عندما يحذّر ويندد بدول الخليج من السعودية الى قطر لتمويلهم وتسليحهم المعارضة السورية؟؟!!

قد يكون كل هذا التناغم الروسي – الايراني، سببا “جوهريا” لمعارضة باراك اوباما “الوقوف الى جانب السنّة في النزاع السوري”، لان ذلك “لا يخدم المصالح الأميركية”.. حسب تعبيره.

والواضح ان ما يخدم المصالح الأميركية، هو:

– تقوية الحرب السنية – الشيعية وتغذية وقوع جميع الأفرقاء في وحول الفخ السوري.. وغرق المنطقة كلها في الفتنة الطائفية.

– اضعاف دور المملكة العربية السعودية راعية الاعتدال السني في المنطقة لمصلحة التطرف الايراني.. والعلاقات “غير السوية” حتى لا نقول المتوترة بين المملكة واميركا واضحة.

– اعادة احياء المشروع الاسرائيلي القديم – الجديد بقيام دويلات طائفية حولها، لتبرير وجودها كدولة عنصرية في المنطقة.

– قد لا تكون اميركا قادرة على تعويم بشار الأسد، لكنها قادرة حتما، على اطالة عمر الازمة وتدمير كل سوريا.

– ليس صدفة ان يُنتخب حسن روحاني “المعتدل” رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية، فالمرحلة المقبلة تستوجب انفتاحا اكبر من ايران على “الشيطان الأكبر”، وروسيا ستكون عرّاب هذا الانفتاح.. وبذلك ينتقل الموقع الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط من مصر والسعودية الى ايران.. خاصة بعد غرق العراق وسوريا في بحر الدماء على يدي المالكي والاسد.

وأخيرا، من إهداء العراق الى ايران الى إهداء سوريا الى روسيا، وصولا الى إهداء لبنان الى حزب الله، الى اغتيال رفيق الحريري واجهاض المحكمة الدولية، يتبلور اكثر فأكثر، انضاج الهلال الشيعي بحماية روسية ومباركة أميركية.

ويبقى السؤال: أين هو موقع لبنان من هذا الهلال؟؟!!..