“الأرثوذكسي” نهاية الميثاق الوطني

د.صلاح ابو الحسن

بعد سبعين عاما على اعلان الميثاق الوطني، وبالرغم من كل شوائبه، كنّا نعتقد انه حان الوقت للتطوير والتجديد والتحديث، بعد ان هرم هذا “الميثاق”. وانتظر اللبنانيون ولادة ميثاق أكثر حداثة واكثر انسجاما مع التطور الذي بدأت تظهر بعض بشائره مع انطلاقة الربيع العربي المتعثر حتى اليوم.

واذا باللبنانيين يتفاجأوون بـ”الردّة” الى ما قبل 1845 و1860، فلا المولود الجديد أبصر الحياة ولا الربيع مرّ على لبنان..

بعض السياسيين اللبنانيين لم يتعلموا من دروس التاريخ القريب ويبدو انهم لن يتعلموا.. فها هم يتفاخرون ويتباهون بوقاحة، بـ”الردّة” ويتبارون بالسباق نحو كسب ودّ العشيرة والمذهب، ليخوضوا فيما بعد، انتخابات “مضمونة” ولو كانت خارج “القانون الأرثوذكسي”، المهم انه أوصلوا رسالة التعصب الطائفي لبيئتهم.. وللأسف فإن الخطاب المذهبي والطائفي لا زال يدغدغ مشاعر الكثيرين من الناخبين اللبنانيين.. وبعض السياسيين ماهرون بالتجييش المذهبي والطائفي والغرائزي.

وهكذا، تلاقى ألد “الأعداء” السياسيين على قانون مذهبي عنصري رجعي ومتخلف، يعرفون سلفا انه غير قابل للحياة، مما يؤكد ان مثل هذه التحالفات.. شبيهة بمسيرة “الذئاب” الكاسرة، حيث يكون تقدّم ذئب على آخر، يجعله عرضة للإفتراس من أحد رفاقه “المفترضين..

كان في ما مضى، حلفا ثلاثيا، اليوم نحن أمام حلف رباعي، لكن المضمون واحد والعنوان واحد والأهداف واحدة، أما النتيجة فقاتمة..

المضمون طائفي لا بل مذهبي بامتياز، العنوان رفض الميثاق الوطني و”اتفاق الطائف” والمشاركة، والأهداف لا للتعايش نعم للامركزية السياسية.. والنتيجة ببساطة، التمهيد لـ”بوسطة عين الرمانة” جديدة وبالتالي الحرب الأهلية..

اليوم، عادوا ليقولون: لسنا متمسكين بـ”القانون الأثوذكسي” انما المطلوب المناصفة.. وأخر يقول ان بديل “الأرثوذكسي” لبنان دائرة واحدة على أساس النظام النسبي.. وثالث يقول البديل هو القانون المختلط ورابع يقول ان البديل المقبول هو الدائرة الفردية.

يقولون هذا اليوم، ليس تراجعا ولا انسحابا تكتيكيا، ولا مراجعة نقدية للمواقف، لكن بعد مرور “القطوع” الأهم من خلال ايصال الرسالة الى “البيئة الحاضنة” وبعد ان فاز كل “فارس” من الفرسان الأربعة، بعلامات متساوية، في امتحانات التعصب، حيث لم يتمكن أحدهم من تسجيل نقاط في مرمى الآخر فالكل متعادلون ومتسوون أمام الطائفة.. وحدهم المستقلون بقوا خارج الملعب الطائفي.. وهم الفدائيون الحقيقيون، وستسجل أسماءهم على لائحة الشرف..

“الفرسان الأربعة” ليسوا وحدهم في الميدان المذهبي والتحالف الطائفي، بعضهم وكلاء وليسوا أصيلين، وبعضهم الآخر التحق بالركب حتى لا يفوته قطار الطائفية فيفقد شعبيته في “بيئته”.. وبيئة الفرسان الأربعة واحدة، ولذلك فإن “المعلف” واحد والكل يغرف من معين واحد.. أما الرابحون الأساسيون و”الكبار” فهم “المخرجون” سواء كانوا داخل الحدود اللبنانية أو خارجها.. من لبنان الى طهران مرورا بسوريا.
والخاسر الأكبر مما جرى هي “الشركة والمحبة” أو بمعنى آخر الميثاق الوطني و”اتفاق الطائف” وبالتالي “المناصفة”..

الكلام والحديث عن عدالة التمثيل والمطالبة بقانون يؤمن “المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، “كذبة” كبيرة أو غباء أو حقد دفين أو مشروع مشبوه في نفس يعقوب، أو الكل مجتمعين.. واللبنانيون شطّار في التكاذب!!

فـ”المناصفة” كرّسها اتفاق الطائف وباتت نصا دستوريا. اما إذا كان المقصود ان يأتي المسيحيون بكل نوابهم الـ 64، فهذا هراء.. إذ كيف يمكن لـ 35 بالمئة من الناخبين اللبنانيين أن يأتوا بخمسين بالمئة من نواب الأمة؟؟!!

إذا كان الموضوع حسابيا ورقميا ودفتريا، فان المعادلة “العادلة” تكون 35 مقابل 65 بالمائة، اما إذا كنا نريد ترجمة مقولة “الشركة” التي أطلقها غبطة البطريرك الراعي، وترجمة اتفاق الطائف الذي بات نصا دستوريا، فتكون المناصفة حينئذ عادلة ميثاقيا ودستوريا..

ومن هنا، علينا التواضع قليلا والإعتراف بالواقع، حيث ان خمسة وثلاثين بالمائة من الناخبين لا يمكنهم بأي قانون انتخابي أن يؤمنوا خمسين بالمائة من النواب، أيا كان القانون أكثري أو نسبي او مختلط او حتى دائرة فردية.. اللهم إلا إذا كان القانون المرتجى على شاكلة “الأرثوذكسي” والذي يعني إقامة كانتونات مذهبية صافية ونقية..

وحتى الأرثوذكسي لن يكون عادلا، عندما يكون عدد الناخبين لكل نائب مسيحي 16000 ناخبا، فيما عدد الناخبين لكل نائب مسلم 35000 ناخبا.. فأين هي العدالة؟؟..

لذلك، فإن المطلوب هو الإختيار بين عدالة العدد وعدالة الطائف.. الذي أوقف كل العدادات، وأكد على الشراكة الوطنية الحقيقية لا الدفترية.. والعدالة والمناصفة تضمنها وتؤمنها الشراكة السياسية الوطنية وليس القوانين الإنتخابية.

وأخيرا، فإن التمادي باللعب بالنار على حساب الوحدة الوطنية والعيش المشترك، من شأنه تقويض إتفاق الطائف، والعودة الى المطالبة بإحصاء جديد وبالتالي الى إعتماد المثالثة بدل المناصفة، ولعلنا تعلمنا من دروس الماضي، عندما انتقلنا الى المناصفة، فالعبور اليوم أيضا من المناصفة الى المثالثة انما يستدرج حربا أهلية جديدة، ودماء لبنانية غالية، لا يريدها كل العقلاء في لبنان وهم كثر والحمد لله.. فالنأي بالنفس المطلوب اليوم، ليس فقط عن الأحداث الجارية في سوريا، إنما ايضا “النأي بالنفس” عن اللعب باتفاق الطائف والمساس بالوحدة الوطنية.