الحوار مع من في سوريا؟؟!!

د.صلاح ابو الحسن

السؤال الأول: الحوار بين من ومن؟؟ ومن هما أفرقاء الحوار في سوريا؟؟

النظام يريد إجراء الحوار مع نفسه. مع المجموعة المعارضة التي ابتدعها منذ فترة تحسبا.. والنظام، إضافة الى السلاح والعتاد والخبراء من أصدقاء النظام، فهو مدعوم بـ”الفيتو” وهو أهم من أي سلاح آخر.

في العالم المعني بالأزمة السورية اليوم، فريقان: “أصدقاء النظام” و”أصدقاء المعارضة”!!

روسيا والصين يؤيدان الحوار بين النظام الغارق في دم الأطفال والنساء والشيوخ، وبين معارضة مهزومة ومشرذمة.. يطلب منها الوحدة بين أطيافها.

عندما طرح معاذ الخطيب من ميونيخ، استعداده للحوار مع النظام، ردّ بشار الأسد بطرح “خطة الحل” تحت السقف الذي يشترطه النظام ومن خلال حكومة النظام الحالية، والخطة هذه لم تؤيد الإ من إيران، ومن وروسيا التي اعتبرتها “خطة الحل”، ويجب على المعارضة الإنطلاق منها وتحت راية بشار الأسد.. وممنوع على الخطيب وضع شروط.. ثم يقول بشار الأسد: انه يريد الحوار فقط مع من لم تتلطخ ايديهم بالدماء.. وهل من أحد في سوريا أكثر منه تلطخت يداه بدماء شعبه؟؟ فأحرى به أن يحكم على نفسه أولا بالإستبعاد.

وسواء كانت مبادرة “رئيس الائتلاف” جدّية أم مناورة، وهي أغلب الظن الإثنين معا، فإن رفض النظام للمبادرة، كشف امرين: الأول ان المجتمع الدولي وخاصة روسيا وأميركا والصين وايران، ليس لديهم خريطة طريق لحل الأزمة في سوريا، والأمر الثاني انهم غير متحمسين او غير مستعجلين للحل.. فماذا اذا ينتظر الأخضر الإبراهيمي..؟؟..

الولايات المتحدة والصين وروسيا، يريدون الحوار فيما بينهم للتفاهم على تقاسم الحصص في منطقة الشرق الأوسط.. ويجمع بينهم اكثر من قاسم مشترك، وهو انتظار إهتراء النظام والمعارضة على حد سواء، وعندها يسهل عليهم فرض الحل المناسب..

والقاسم المشترك الاخر ليس طبعا تلهفهم على تحقيق الحرية والديمقراطية، انما حساباتهم ومصالحهم الخاصة ونظرتهم الى مخاطر الديمقرطية وحق تقرير المصير والحريات.. على الشرق الأوسط.
بالنسبة للأميركيين، فإن الديمقراطية والحدّ من البطالة ومكافحة الفقر والأمية وتعزيز الحريات العامة والخاصة، شعارات تشكل مجتمعة خطرا على مصالحها وخاصة على وجود اسرائيل..
وبالنسبة الى الروس، فالمصيبة أكبر مع استحضار الحقبة السوفياتية التي تقمصت اليوم في “البوتينية” التي تقمع المعارضة وأي رأي آخر..
وآخر الصرعات الديمقراطية “البوتينية”، القرار الصادر عن إحدى المحاكم الروسية إيداع سيرغي اودالتسوف، أحد قادة المعارضة، تحت الإقامة الجبرية والتهمة الموجّهة اليه، صدّقوا او لا تصدّقوا: “الإعداد لتنظيم اضطرابات كثيفة”، وان المتهم “يواصل ارتكاب أعمال غير قانونية، مثل المشاركة في تظاهرة غير مرخص لها من قبل الحكومة”.!!!

صحيح ان الأنظار كلها موجّهة على ما يجري في المنطقة وخاصة في سوريا، لكن القلق الحقيقي، ليس على عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من مليون مهجّر في سوريا، وليس من مخاطر التطرف في تونس واغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، وفتاوى هدر دماء المعارضين في مصر، بل القلق هو على ضمان وسلامة واستقرار اسرائيل.. اسرائيل أولا. والأميركيون والروس واوروبا التقوا جميعهم على تحذير ايران وعلى تطمين اسرائيل..

والمخاوف من السلاح الكيميائي في سوريا، مخاوف تتشارك وتتضامن فيها مع إسرائيل، روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا..

اما بالنسة الى ايران فيكفي أن نتذكر ما قاله محمود أحمدي نجاد: “إن إيران تحارب في سورية من أجل مستقبل مكانتها في الشرق الأوسط”.. طبعا لا أحد يتوهم ان دعم ايران للنظام السوري، هو كرمى لعيون بشار الأسد ومرتزقته، فطهران تريد ان تحجز لها موقعا في المنطقة عشية المتغيرات الزاحفة، وهي تخشى ان يبيعها حليفها الروسي بأرخص الأثمان عند إتمام الصفقة مع الأميركي.. وكذلك شعور النظام السوري، الذي يخشى ان يبعه الإيراني في حال تمت الصفقة الدولية لمصلحته..

حتى تخصيب اليورانيوم ليس بالموضوع الجدي.. الأهم هو كيفية الإحتفاظ بالحلف الإيراني – العراقي – حزب الله، بعد سقوط النظام السوري.. ومن هنا تلازم يأتي المسارين بين النظام الإيراني والنظام السوري..

الذين يتحفون العالم، بنظريات الحل السوري – السوري دون تدخل خارجي ويدّعون حرصهم على توحيد المعارضة يكذبون.. فالحل بالنهاية يأتي نتيجة تسوية – صفقة – بين الكبار وبالتحديد بين الجبارين.. وهم لا ينتظرون لا موافقة الأسد ولا توحيد المعارضة.. فعندما تحين الساعة تسقط كل الحواجز.

وبالنهاية، فان أميركا صمّام امان بالنسبة الى اسرائيل، وروسيا صمام امان بالنسبة لإيران، وهكذا فالأمور كلها ممسوكة، وتهون كل التناقضات أمام رضى ومصلحة اسرائيل..
فما عدا العملية الإسرائيلية الأخيرة على القافلة العسكرية السورية التي تقول اسرائيل انها تنقل اسلحة محظورة الى حزب الله، فإن اسرائيل “تنأى بنفسها” منذ بدء عن الأزمة السورية.

لكن الشعب السوري ايضا “نأى” بنفسه منذ أكثر من سنة، عن كل الآمال والأحلام بالدعم الغربي أو العربي لثورته، متكلا على إرادة وصمود وثبات وعزيمة شعبه، وهو الذي رفع منذ بدايات ثورته “الله معنا” وبمعنى آخر كان يقول لن نتكل على أحد في العالم ولذلك سننتصر..

وهو يرى اليوم، ان الجميع “نأى” بنفسه عن الإجرام بحق الشعب السوري من الأمم المتحدة الى اوروبا وأميركا وكل الغرب الى الجامعة العربية والعرب وتركيا.. بعدما جاءت الأوامر من كل “الكبار” بعدم دعم المعارضة ولو بالحد الأدنى من مستلزمات الصمود في المناطق المحررة.

الشعب السوري المقموع منذ أربعين سنة.. أخرجه أطفال درعا من “القمقم” الذي سجنته فيه أجهزة المخابرات.. وهتف: “الشعب يريد إسقاط النظام”.. وهو لن يعود ثانيةالى “القمقم” أو الى السجن الكبير.. ولذلك فاننا نوافق السيد ميخائيل بوغدانوف عندما يقول “ان انتصار المعارضة مع الاسف لا يمكن ازالته من الحساب”..

فمن كان يظن أو يحلم قبل خروج أطفال درعا من القمقم، انه قادر ان يمرّ الى جانب صورة “السيد الرئيس” دون ان يحييها وينظر اليها بابتسامة وإجلال.. وهو لم يكن قادرا أن يصارح زوجته او اولاده برأي مخالف أو معارض.. فمن يدري قد تكون الزوجة أو أحد الأولاد ينتمي الى أحد أجهزة المخابرات، وما أكثرها.. فينتهي أمره في صيدنايا أو تدمر أو في فرع فلسطين!!

هل صدّق الناس عندما شاهدوا التلفاز في بدايات الإنتفاضة السورية كيف ينهال الشعب الثائر على تماثيل السيد الرئيس الأب والإبن ويحطمه وهو الذي كان عليه أن يعظّمه صبحا ومساء في بيته ومدرسته ومكتبه ومراكز عمله؟؟.. لا أعتقد انهم صدقوا ما تراه أعينهم.. فحتى الحلم كان ممنوعا عليهم…

المعارضة قد تكون مختلفة فيما بينها على بعض التفاصيل وهذا طبيعي، ولكنها متوافقة حتما على اسقاط النظام وحاشيته.. والحوار لن يكون الا على هذا الأساس.. وبعضما يخشاه الغرب وروسيا من تطرف انما هم من جاؤوا به الى سوريا لتبرير مجازر النظام.. وكلهم شركاء في الجريمة بحق الشعب السوري.