نصرالله يعد بالانتصار “الالهي” على “القصير”

د.صلاح ابو الحسن

يقول السيد حسن نصرالله: “ان سيطرة المجموعات التكفيرية على الحدود اللبنانية تشكل خطرا على لبنان”.. هذا كلام صحيح بالمطلق لو كان صادرا عن جهات مدنية تؤمن بالديمقراطية والحريات السياسية.. وهل كيل التهم صبحا ومساء، على اللبنانيين المختلفين بالرأي والعقيدة والتفكير، انهم عملاء وجواسيس وخونة خاصة بعد حرب تموز وهدر دمائهم وتهديدهم في حياتهم وارزاقهم.. هل كل هذا أقل خطرا من خطر التكفيريين.. وهل تصنيف فريق بأنه أشرف وأطهر وأوفى وأنبل الناس لا يعني ان كل “الغير” مجردون من كل هذه الصفات.. او ربما يشكلون النقيض.. أي أخس وأرذل وأجحد وأدنى درجات البشر.. ثم تطلبون من الشريك الآخر والمختلف أن يتعايش معكم ويتفهمكم؟؟!!

ثم يقول السيد نصرالله: “الدولة التي لا تستطيع ان تحمي جنازة ولا تستطيع ان تقر قانون انتخابات واجراء الإنتخابات في مواعيدها.. ان تحمي لبنان من اسرائيل”.. وهذا ايضا كلام صحيح ودقيق، لو انه صادر عن جهة تعترف بالدولة ومؤسساتها الأمنية والسياسية والقضائية.. ولا تحمي قتلة رئيس وزراء لبنان وقتلة نواب وقادة سياسيين ومناضلين كبارا.. ولا تحمي متهمين بمحاولات اغتيال في مربعاتها الأمنية.. ولا تحترم رجالات لبنان الكبار.. فتعتبر قتلتهم “شهداء”.. فأي مساهمة قدمتم للدولة لتقف على رجليها بعد حرب أهلية مدمرة.. وأي جيش وطني احترمتم عندما وضعتم أمامه “الخط الأحمر” الشهير خلال أحداث نهر البارد.. وأي جيش احترمتم يوم قتلتم النقيب الطيار سامر حنا في العام 2008، لأنه حلّق بمروحية الجيش اللبناني فوق أجوائكم الإقليمية.. في “سجد”.. وأطلقتم سراح قاتله ولم تحترموا لا مشاعر رفاقه ولا أهله..

ويقول السيد ايضا وايضا: “اذا كنا نقاتل في سوريا فدعونا نتقاتل هناك ولنحيد لبنان”.. وهل من كلام أغرب من هذا الكلام المباح؟؟ وكأن القتال في سوريا من قبل أطراف لبنانيين، ايا كانوا هؤلاء الأطراف، موقف يعبّر عن احترام شرعية الدولة وسيادتها.. نعرف ان الدولة والشرعية والمؤسسات لا تعنيكم.. ولكن هل تسمحون للغير أن يغار على دولته؟؟.. هل تسمحون لمن لا يزالون “مواطنين” في دولة عضو في الأمم المتحدة ولها كيانها ودستورها وسيادتها.. ان يذكّرونكم أن هناك ما يسمى “اعلان بعبدا” الذي أقرّ بالإجماع في جلسة الحوار.. واعتماد سياسة “النأي بالنفس” باجماع حكومتكم أيضا.. ثم تدعون اللبنانيين للتقاتل في سوريا وتحييد لبنان.. الغباء هو يا سيد ان تعتبر اللبنانيين أغبياء وان ما يجري في “القصير” معزول عما يجري في طرابلس.. وان علينا أن نصدق ان قلوبكم تنزف نتيجة تقاتل “الأخوة” في عاصمة الشمال. وهل تسمح لنا ان نقول ان مصطلح الدولة والشرعية لا يعني لكم شيئا؟؟!!

ويتابع السيد نصرالله، فيقول: “لبنان في لحظة تاريخية حساسة ولا وقت للمجاملة.. وسوريا هي ظهر المقاومة وسندها ولا تستطيع “المقاومة” ان تقف مكتوفة الايدي أو يكشف ظهرها أو يكسر سندها.. ولا نكون أغبياء.. والغبي هو من يتفرج على المؤامرة تزحف اليه ولا يتحرك”..

نعم يا سيد، واسمحوا لنا ايضا، ان لا نجاملكم فنكون أغبياء.. وان يدعكم اللبنانيون تستدرجون الفتنة الى بلدهم، وها هي قد بدأت طلائعها في طرابلس، وأن يتفرج اللبنانيون عليكم وانتم تكشفون لبنان الدولة ولبنان الشعب خدمة لايران وللنظام السوري… قد تكون سوريا جسر عبور طهران الى لبنان، ولكن ظهر المقاومة وسندها هو الشعب اللبناني والبيئة اللبنانية التي احتضنت المقاومة في حرب التحرير عام 2000، وفي حرب تموز 2006.. ويوم يسقط الإحتضان الوطني والعربي تصبح ترسانة الصواريخ والأسلحة مجرد “خردة”.. الإستقواء يكون بالبشر وليس بالسلاح.. يا سيد..

نعرف يا سيد، انكم لستم بحاجة لاعلان الجهاد، والفتاوى أهم من كل دعوات الجهاد.. ولكن ماذا تنتظر مقابل الفتاوى، غير اطلاق الجهاد من الآخرين.. سمّه اشارة او فتوى أو ما شئت فالمحصلة ذاتها.. تجييش فتاوى من هنا يقابلها جهاد من هناك.. الفتاوى التي تعالج الأمور بالأحقاد والعنف قد تطيل أمد المحنة وتزيد منسوب الشراسة ولكنها في النهاية ستلتهم اصحابها.. وستبقى ارادة الشعوب هي الأقوى.. وتبقى الحرية هي الجهاد الأكبر في حياتنا.. ولا معنى ولا قيمة لأي جهاد لا ينتهي بحرية الشعوب وانعتاقها من السجن الكبير..

اما القول ان: “هذه المعركة كما كل المعارك نحن اهلها ونحن من ينتصر فيها وكما وعدتكم بالنصر في العام 2006 اعدكم الان”..

نسألك على من ستنتصر يا سيد حسن، في “القصير” وهل يتساوى الإنتصار على العدو الاسرائيلي مع الانتصار على “العدو” السوري في دمشق والقصير؟؟ اليست غريبة هذه المقاربة بان تعد جمهور “المقاومة” بالانتصار “الالهي” على الشعب السوري، كما وعدته بالانتصار على العدو الاسرائيلي؟؟ هل هي زلة لسان شبيهة باعلانكم 7 ايار يوما “مجيدا”.. واعتبار ان ما جرى في بيروت والجبل هو انتصار على “الخونة والعملاء”..!

اما تلميحك وغمزك من قناة الزعيم وليد جنبلاط بقولك: “من أراد أن يقف على الحياد فليقف، من يعتقد أنه لا يستطيع أن يغيّر في المعادلة، هو وشأنه، من ال 1982 كان هناك الكثيرون ممن يعتقدون أنهم لا يستطيعون أن يغيروا في المعادلة، وغيّرت المقاومة اللبنانية، ليس بالمعادلة المحلية فقط بل المعادلة الاقليمية”..

فهذا الغمز لا تخفى اسبابه على احد.. وانت اول من زرع بذور الاصطفافات في لبنان في مهرجان “شكرا للأسد وللنظام السوري”.. وتابعت هذا الزرع يوم استقلت من الحكومة رفضا للعدالة والمحكمة.. ويوم رفضت خطاب القسم للرئيس ميشال سليمان الذي قال فيه: “نشوء المقاومة، كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها.. وهذا يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن”..

فأجبته فورا بخطابك الشهير في عيد التحرير عام 2008: بان “استراتيجية التحرير واستراتيجية الدفاع.. واحدة” وأعلنت ربط الأزمة اللبنانية باستراتيجية تحرير لبنان وفلسطين والعراق.. وكنت تريد ان تبلغه رسالة واضحة في بداية عهده: انت صاحب الفخامة ولكن الأمر لي..

واليوم ايضا في ذكرى التحرير ترد على كلام الرئيس سليمان في اليرزة، وخطيئته هذه المرّة انه حذّر من جر لبنان الى “الفتنة” بسبب مشاركتك في معارك القصير.. وقوله: “ان معاني المقاومة اعلى واسمى من كل المعاني ومن ان تغرق في رمال الفتنة، ان في سوريا، او في لبنان، اكان ذلك لدى شقيق او صديق”..

وكان ردّك: أنتم لستم دولة تستحق الثقة. أنتم لا شيء. نحن الجديرين بالثقة. ونحن من يقرر.. ونحن نرى مصلحة لبنان من خلال مصلحتنا ونحن نحدد استراتيجية الدفاع والهجوم..

لماذا لا تعترف ان الأسد عجز عن حسم المعركة في القصير، فأوكلت ايران المهمة اليك..

لماذا لا تعترف انه امام “جنيف – 2” تهون كل الأثمان..

لماذا لا تعترف انالأسد هو من رفض الحوار في الأشهر الستة الأولى وانه هو من استجدى دخول المتطرفين كما أكد نائبه فاروق الشرع؟؟..

ولماذا هذا التناقض، بقولك ان المعارضة السورية والتكفيريين هم جزء من “سي آي إيه” وعملاء البنتاغون ثم تقول ان “المعارضين لا يمونون على أحد منهم”..

ولماذا تعمدت توجيه الرسائل الى البنتاغون بان الخطر على المنطقة وعلى العالم آت حتما من التكفيريين.. واقناع الغرب ان الديكتاتورية أفضل من الأصولية؟؟

ولماذا لا تعترف انك والنصرة وجهين لعملة واحدة؟؟!!

من قال لك يا سيد نصرالله ان اللبنايين عليهم ان يكونوا بين خيارين: اما أميركا والغرب وروسيا والصين، واما النظام السوري وايران.. او الخيار بين ولاية الفقيه والنصرة والتكفيريين.. فالخيار الأول لم يحم احدا وكان دائما منحازا الى مصالحه، فهو كان مع النظام السوري “الممانع” على مدى اربعة عقود ومع كل الديكتاتوريات العربية وفوّض النظام السوري بالوصاية على لبنان وقتل قادته..

اما الخيار الثاني وضمنه ايران والنظام السوري، فهو خياركم، وانتم تنحازون له وتأتمرون به على حساب لبنان واللبنانيين.. والنصرة والتكفيريين استدرجهم النظام السوري لتبرير مجازره.. وهل اخصام هذا الخيار محكوم عليهم ان يكونوا في جبهة اميركا واسرائيل؟؟..

وصدقت يا سيد عندما قلت: “مشكلة العقل التكفيري أنه يكفر الآخرين لأتفه سبب”.. وهذه بالحقيقة مشكلتكم انتم بالذات يوم بدأتم بفرز اللبنانيين والعرب بين “خونة” و”كفار” و”عملاء”.. وبين شرفاء ونبلاء.. واليوم توزعونهم على جبهتين: الخونة والعملاء في جبهة اسرائيل وأميركا، والشرفاء والأولياء والأتقياء في جبهة ايران وروسيا والنظام السوري!!..

فمن انتم لتصنفوا الناس وتوزعوهم على جبهات كما تشاؤون؟؟ ومن انتم لتوزعوا شهادات في الوطنية والشرف والأخلاق والكرامة والوفاء والصدق و..

والأغرب هو قول السيد، ان “تاريخنا يشهد اننا نحن قاتلنا في البوسنه والهيرسك دفاعاً عن المسلمين السنة”.. وهل اهل القصير من غير السنة ام انهم من “التكفيريين الذي يشقون الصدور وينبشون القبور”.. ولذلك يستحقون القتل والتنكيل.. وهل “المؤمن” يجوز له وحده القتل والذبح وشقّ الصدور والتنكيل بالنساء والشيوخ والأطفال كما تفعلون انتم في “القصير”؟؟

وأخيرا، الى متى ستستمر بالدفاع عن الأسد ونظامه وبأنالنظام لطالما قبل الحوار والإصلاحات إلا أن المعارضة رفضت”.. فعن أي حوار تتحدث بعد ان دمّر هذا النظام أكثر من نصف سوريا وقتل أكثر من مائة الف من شعبه وشرّد أكثر من ربع السوريين؟؟!!

اما قولك انه “ممنوع أن تملك سوريا صاروخ “س300″ لأنه يخل بالتوازن إنما يباع للدول العربيّة بمليارات الدولارات أسلحة استراتيجيّة لأنه هناك تطمينات بأن ما من رصاصة ستطلق باتجاه إسرائيل”.. وهل أطلقت سوريا رصاصة واحدة على اسرائيل في عهد “الأسدين”؟؟

ومن قال لك ان روسيا مستعدة لتزويد سوريا وحزب الله بأسلحة “كاسرة للتوازن”..

اما اذا كنت تفاخر بأنهم يقدمون السلاح للمقاومة لقتال اسرائيل من الجنوب.. وابقاء ساحة لبنان مفتوحة مقابل حدودهم الآمنة.. فهذا ليس مدعاة فخر واعتزاز…