زيارة… نحو المستقبل

جورج علم (الجمهورية)

بدأت ورشة الإعداد للحوار، رئيس الائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب عبّر عن هذا التوجّه بطريقة مشروطة، وجاء الموفد العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي الى القاهرة ليضرب الحديد وهو حام، وتفاهمَ مع الأمين العام لجامعة الدول العربيّة نبيل العربي على ضرورة التحضير للقاء يجمع الخطيب بنائب الرئيس السوري فاروق الشرع. تبقى العقدة في جدول الإعمال، دمشق تؤكد على أنه جاهز وفق التصوّر الذي أعلنه الرئيس بشّار الأسد قبل فترة.

الأخضر الإبراهيمي يصرّ على وقف لإطلاق النار أولاً، ثم حكومة انتقالية بكامل الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس، هذا يعني “مكانَك راوح” أقلّه من جانب النظام، إلّا أن الدول المعنيّة أو المتورطة، باتت تدرك بأنّ الصراع يتمحور الآن حول إبراز الأحجام والأوزان عند كل طرف، او جماعة، كلّ يريد ان يكون في السلطة، وكلّ يريد أن يكون هو في موقع القرار، بعض الإعلام الأميركي يتحدث صراحة عن ميليشيا إيرانيّة، إيران تدعم النظام حتى النهاية، ولكن في حال سقوطه، فإنّ “ملائكتها” ستكون جاهزة لتأمين مصالحها.

نحن لا نتحدث هنا عن النفوذ التركي، إلّا أن الأطلسيّين يسجلون عتباً على الدعم الذي توفّره أنقرة لمقاتلي “جبهة النصرة”، وأيضاً للتنظيمات المتطرّفة، في الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأميركيّة رَفضها دعم هذه الفئات بالمال والسلاح.

إستعرض الروس والأميركيّون مرحلة ما بعد النظام، ومَن هي الجهة المخوّلة بملء الفراغ، “جبهة النصرة”، “تنظيم القاعدة”، “الجيش السوري الحر”، “الميليشيات الفاتحة على حسابها”؟ من؟! ثم كيف السبيل لوَضع حدّ للنظام؟ هل عن طريق قرار صادر عن مجلس الأمن، كما طالب وليّ العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمام قادة دول منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة مؤخراً، أم عن طريق عمل أمني – سياسي بتنسيق مُحكم ما بين موسكو وواشنطن؟ أو بتمكين الائتلاف المعارض من تسجيل أهداف موجعة في مرمى النظام من شأنها أن تغيّر من رتابة المشهد الداخلي؟.

لا جواب، والجواب الوحيد كان ضرورة العمل على الحوار. هذا يعني في العرف الديبلوماسي أن التباينات في وجهات النظر لا تزال كبيرة وشائكة، وأن الراعيين الأميركي والروسي لم يتمكنا من الوصول بعد الى حلول وسطيّة، وهذا ما يجعل مخارج الأزمة على لائحة الانتظار، انتظار نتائج الحوار الإيراني مع دوَل 5 +1 في كازاخستان، وبدء الحوار الإيراني – الأميركي استجابة للدعوة التي أطلقها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في ميونخ، ونتائج القمة الروسيّة – الأميركيّة ما بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما، ثم التحرّك الأميركي الرفيع المستوى باتجاه إسرائيل، ورام الله، والأردن، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

واستعداداً لكلّ ذلك، تريد إيران الحفاظ على الأوراق القويّة التي لا تزال في عهدتها، خصوصاً بعد التهديد الإسرائيلي بحرب ثالثة ضد “حزب الله” هذا العام، لتدمير منظومته الصاروخيّة الإيرانيّة، ونسف خطوط الإمدادات من إيران الى لبنان عبر سوريا.

ويصبح المشهد أكثر وضوحاً عندما يصبح الحراك داخل سوريا يدور محوريّاً حول شَكل النظام البديل؟ ومن يحكم؟ ومن يشكّل الحكومة الانتقاليّة؟ وهل تكون حكومة طوائف، ومذاهب، وملل، أم حكومة تعكس نسيج الائتلاف المعارض بكلّ تكاوينه، أم حكومة “جبهة النصرة” وأخواتها؟ وأين يستثمر نفوذ كلّ من إيران، وتركيا، وإسرائيل، والدول الداعمة والمموّلة التي أنفقت ثروات تقدّر بمليارات الدولارات لدعم المعارضة والثورة؟ وما هو مصير الأقليات عند تشكيل الحكومة الانتقاليّة؟ وعند البحث الجدي في دستور جديد للبلاد، وفي كلّ المراحل التي ستجتازها المرحلة الانتقاليّة، هل يؤخذ برأيها، ويحسب لها حساب؟!.

لا أحد يتحدث عن خرق كبير للزيارة الراعويّة التي قام بها غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى دمشق. لنعترف بأنها أثارت الكثير من الغبار السياسي، والكثير من الجدل، وعمّقت السجال والتباينات في وجهات النظر حول المشهد السوري الداخلي، والتوظيفات المختلفة المتنوّعة الدائرة في فلكه.

لكن، تكفي إشارة واحدة لا بدّ من تقدير رمزيتها في هذه المرحلة المصيريّة التي تجتازها سوريا، ألا وهي السعي الى وحدة الصف المسيحي، والرأي المسيحي، والتوجّه ناحية تطلعات مصيريّة واحدة مختلفة عن تباينات الماضي.

فإن تمكنت الزيارة من المساهمة في تحقيق هذه الوحدة تكون قد أحدثت خرقاً عظيماً كي يكون للمسيحيين، لا بل لكلّ الأقليات، صوت مسموع، ودور وحضور في الحكومة الانتقاليّة، في المرحلة الانتقالية نحو سوريا المستقبل؟!.