«المُستحكمون» بـ«جنيف – 2»

جورج علم (الجمهورية)

شكّل عائدات النفط تغطية وافية “لقتال الأخوة” في دول “الربيع العربي”. الأرقام الدقيقة ملك المخابرات، أما المتداولة في الكواليس الديبلوماسيّة فتقدّر بالمليارات. الجديد أن هذه التغطية هي حاليّاً موضع نقاش جدّي ما بين الأميركيّين والروس على مستوى فرق العمل المكلفّة بالإعداد لمؤتمر جنيف ـ 2.

وفي التفاصيل المتداولة، أن الموضوع قد أثير في الإجتماع الأخير بين وزيري الخارجية الاميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف. يومها، طلب الأخير من نظيره الأميركي العمل على حسم موقف المعارضة السورية، وتشجيعها على المشاركة في المؤتمر من دون شروط مسبقة، وبوفد يتمتع برصيد عال من الصدقيّة، وصحّة التمثيل. وفي سياق البحث تمّ التطرق الى الصعوبات الكامنة، ومنها تنوّع الأطياف المعارضة، والحساسيات السياسية والمذهبيّة المحتدمة في ما بينها، وتعدد مصادر التسليح، والمال، والمساعدات، والخدمات المختلفة لتمكينها من الصمود والاستمرار في القتال حتى تتحقق الأهداف المرسومة؟!.

وأظهرت المناقشات، وفق ما تتداوله أوساط ديبلوماسيّة، أن الدول المموّلة تستغل المعارضة الى أقصى الحدود، وتتخذ منها مطيّة لتنفيذ أغراضها ومآربها السياسية في ضوء مصالحها على مستوى المنطقة، وأيضاً من خلال تعاطيها مع الدول الكبرى المعنيّة بالملف السوري، وسائر الملفات الحيوية في الشرق الأوسط. وطرح أثناء النقاش اقتراح يقضي بتجفيف الأموال والمساعدات لحَمل المعارضة المتطرّفة على الانصياع والمشاركة في المؤتمر من دون شروط، ودائماً تحت السقوف المرسومة والمحددة، إلّا أنّ الاقتراح اصطدم بعقبتين جوهريتين: الأولى، أن الجهات المموّلة إنما هي دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي، والخط الدولي الداعم لانتفاضات الشعوب المقهورة، والمغلوب على أمرها، والتي تنادي بالحريّة والديموقراطية وحقوق الإنسان. والثانية: أن هناك اتفاقات مالية مبرمة، وصفقات أسلحة مُسنَّدَة تقدر بمليارات الدولارات لا يمكن إبطالها كونها تخضع لدفاتر شروط قاسية ترتّب على الجهة او الجهات المتنصّلة او”المعطّلة” غرامات مالية باهظة، وعقوبات مسلكيّة وقانونية، وخسائر ماديّة ومعنوية بالغة، خصوصاً أن هذه الصفقات ما كانت لتبرم إلّا بعد موافقة الإدارة الأميركيّة، وحكومات الدول الأوروبيّة على التسليح، واستجابَت خلال المؤتمرات الخاصة بدوَل “أصدقاء سوريا” الى مطالب المعارضة، وقررت دعمها، ووضعت جداول خاصة بأصناف الأسلحة ونوعياتها التي يمكن الحصول عليها.

وتناقش فرق العمل، بناء على طلب الوزيرين الأميركي والروسي، المعلومات المتوافرة من مصادر عدّة، والمتصلة بهذه المسألة، مع مجموعة من مقترحات الحلول التي سيُصار الى البحث فيها بعد عودة الموفد العربي – الدولي الأخضر الابراهيمي من جولته في المنطقة، وفي ضوء التقرير الذي سيرفعه الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول المعلومات والانطباعات التي عاد بها.

وتستولد “العقبات الماليّة” عقبات سياسية تؤدي الى إطالة أمد القتال في سوريا، وتأجيل موعد انعقاد المؤتمر الى أجل غير مسمّى نتيجة تطوّرَين لا يمكن التقليل من تداعياتهما، الأول: تشَبّث الدول المموّلة التي لها حسابات جارية مستجدة مع كلّ من الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية، على الاستمرار في دعم المعارضة، وحَملها على رفض جنيف ـ 2، والإصرار على القتال حتى تحقيق المطالب التي دفعتها الى الإنتفاضة.

والثاني: التعويل على الاتفاقات الموقعة مع حكومات الدول المصدّرة للأسلحة، ومع المصانع والشركات المتخصصة، لاستمرار الدعم والتسليح، خصوصاً أن بعض العقود يستند الى آجال زمنية طويلة.

وما يزيد في الطين بلّة أن “المال الحربي” قد تحوّل “مالاً سياسياً”، بمعنى أن الدول التي تموّل، وتسلّح، هي نفسها الدول التي تساهم في تقديم المعونات للنازحين، والحديث في هذا الشأن متشعّب نظراً الى الإشكاليات الكثيرة التي طَفت الى السطح، أوّلها الحساسيات المتنامية بين الدول الغربيّة، والدول النفطيّة المشاركة في المؤتمرات الخاصة بدعم النازحين. والمشكلة أن الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي قد اعترفت صراحة بحجم الأزمات الماليّة ـ الإقتصادية التي يعانون منها، والتي تنعكس أزمات اجتماعية ومعيشيّة على شعوبهم، في حين انّ الدول النفطية “تعاني” تخمة مالية، وفي إمكانها أن تغطي كل الحاجات الأساسيّة للنزوح.

والإشكاليّة الأخرى أخلاقيّة سياسيّة، بمعنى أن الدول الغربية المانحة تنطلق من المبدأ القائل: “إن الذي ينفق لتأجيج القتال، في إمكانه أن ينفق لمعالجة تداعياته الإنسانيّة”، وتردّ الدول النفطيّة على هذا قائلة: إن الدول المتمكنة مستعدة لتغطية النفقات التي يتطلبها النزوح لكن مقابل أن تستجيب الدوَل الكبرى، ولا سيما منها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، الى الأخذ بالمطالب الخليجيّة من الأزمة السورية وطريقة التعاطي معها؟!”… ومرحبا جنيف – 2؟!