للإرهاب… حساب!

جورج علم (الجمهورية)

قررت الأحزاب الكرديّة المجتمعة في أربيل أن يشارك أكرادُ سوريا في مؤتمر “جنيف – 2” بوفدٍ مستقل عن المعارضة، وأن يطالب بنظام تعدّدي يحترم خصوصيّة الأقليات، فيما دعي وفدٌ منهم الى زيارة موسكو.

يأتي هذا التحرّك بعد التفاهم الأميركي – الروسي على ضرورة تقديم مشروع تسوية، وعدم هدر الوقت في معالجة الخلافات بين أطياف المعارضة، وتكليف الموفد العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي هذه المهمة بعدما ذهبت الجهود السابقة أدراج الرياح من دون التمكن من توحيد صفوف المعارضة وإقناعها بوفد تمثيلي موحّد.

وينطلق الكلام عن مشروع تسوية من “رحم” عقبات خمس:

ـ الأولى، أنّ دولاً تسلّح المعارضة تريد المشاكسة، تارة تحت شعار إستمرار القتال حتى الإطاحة بالنظام، وتارة أخرى تحت شعار المشاركة في جنيف وفق دفتر شروطها، وما يجري بين الروسي والأميركي على هذا الصعيد هو العمل على تعطيل هذا “اللغم” عن طريق إعادة الأحجام والأوزان الى طبيعتها.

ـ الثانية، أنّ المعارضة متعددة الرؤوس، والولاءات، والإتجاهات، والخيارات، وبدلاً من الإستمرار في العمل على توحيد الصفوف، لا بدّ من العمل على توحيد المواقف من بنود التسوية ومراحلها.

ـ الثالثة، أنّ للإرهاب مكاناً، وأنّ للأصوليات دوراً وحضوراً وحسابات، وهي قادرة على الإطاحة بأيّ تفاهم، فيما المعادلة المطروحة: هل أنّ وقفاً لإطلاق النار يُفترض أن يستبق “جنيف – 2” لإنضاج التسوية؟ أم أنّ “جنيف – 2” هو للتفاهم على وقفٍ لإطلاق النار؟!

ـ الرابعة، عدم التوصل الى تفاهم على مشاركة كل من إيران والسعودية بسبب التباينات في المواقف والخيارات، ويدور البحث بين موسكو وواشنطن حول طبيعة القرار، هل ينعقد مؤتمرٌ بِمَن يحضر، على أن تصاغ توصياته بقرار يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة؟ او يُفترض إرجاؤه حتى يتعب الجميع؟!

ـ الخامسة: إنتشار الإرهاب في الدول المجاورة لسوريا، وصعوبة مواجهته، سواء انعقد المؤتمر في موعده، أم أرجئ الى موعد آخر؟!
النظرة الى لبنان، ومن هذه الزاوية تحديداً تبدو مقلقة، صدر كثير من المواقف الدوليّة المنددة بإستهداف الجيش، لكنّ لا شيء تغيّر، أقلّه من الناحية العمليّة، لا ضمانات، لا خطوات إجرائيّة، لا تدخلات حاسمة لوقف هذا الهدر والإستهتار بالسلم الأهلي، وإشاعة مشاعر الإرتياح عند الناس؟!.

ويتنوّع الإهتمام الدولي، هناك من يؤكد أنّ الجيش خطٌّ أحمر، ويرفض إستهدافه، فيما ينظر الى ما يتعرّض له “حزب الله” من زاوية مختلفة “أنه متوّرطٌ في الحرب السورية، وعليه أن يتوقع ردود الفعل؟!”. وهناك من يرفض في المطلق زجّ لبنان بين أشداق الإرهاب، لأنّ تركيبته السياسيّة – الإجتماعيّة هشّة، وتكفيه زوبعة صغيرة لكي يغرق في فنجانها.

المقلق عند مرجعيات دبلوماسيّة، أنّ جماعات تكفيريّة تحاول أن تساوي ما بين الجيش و”حزب الله”، وتستهدف الإثنين معاً، وكأنها تريد أن ترسخ إنطباعاً بأنّ الإرهاب يستثني الحالة السنّية في لبنان فقط. والتمايز، وفق هذه المرجعيات موجود، بمعنى أنّ هذه الجماعات تعتبر الحزب “عدوها الأكبر”، فيما تصنّف الجيش في المرتبة الثانية، وحجّتها “أنه لا يتصدّى لسلاح الحزب، بل للسلاح الذي يحمله أهل السنّة؟!”.

الأخطر، أن يصبح للإرهاب مخيمات في لبنان، او أن تصبح المخيمات حاضنة للإرهاب، او أن تتوثق عرى التحالفات، والمصالح، والأهداف، والأبعاد في مشروع تفتيتي بدأت معالمه واضحة في العمق السوري. إستهداف الأكراد على يد “داعش” وأخواتها.

مصير المطرانَين، وراهبات معلولا. “غض الطرف” الدولي، وتحديداً الروسي – الأميركي عن إستمرار التمدد الإيراني – التركي في الداخل السوري. شرذمة المعارضة، و”اللعب على أوتار” الحساسيات والتباينات في ما بينها. والتغاضي عن إستمرار تدفق السلاح والمسلحين، يقابله تغاض آخر عن الإهتمام بأوضاع النازحين أقله من النواحي الإنسانيّة؟!

وعلى وقع ذلك كلّه تتمدّد رقعة الإرهاب في لبنان، وتزداد وتيرة عملياته وسط إلتباس كبير في المواقف الدوليّة، حجة البعض أنّ إعادة ترتيب الساحة سيحظى بأولوية بعد “جنيف – 2″، حجة البعض الآخر أنّ “جنيف – 2” غير مؤكد بعد، حتى إذا ما إلتأم شمله لا يعني أنّ التفاهم حتميّ حول مستقبل سوريا ومستقبل النظام؟ وهل يتحوّل تعدّدياً؟ أم تتحوّل الأزمة من تغيير للنظام، الى تغيير للكيان؟!

الجديد في الحسابات أنّ الجيش قد أصبح في مرمى الإستهداف، ولم تعد تحميه مواقف التنديد والاستنكار. إنه آخر الضمانات للحفاظ على الكيان من التفتيت، وعلى الصيغة من الإندثار. أن يكون حرص على تلافي الفراغ الرئاسي، فهذا واجب وطني، لكنّ الواجب الأكبر أن يبقى وطناً للرئيس؟!