«داعش» والمهمّة

جورج علم (الجمهورية)

أن يكون لبنان في عين الإعصار، فهذا شيء طبيعي في ظلّ غياب الحِسّ الوطني، والشعور بالمسؤوليّة، وغياب الحوار، ومعه التفاهمات المطلوبة لتحصين الكيان، والدفاع عن الصيغة، والحرص على الميثاق. هناك مشاريع لا تنتظر، ويدور لبنان في فلكها ويتأثر بجاذبيتها وتجاذباتها، مسار جنيف – 2 حول سوريا، ومسار الترتيبات النهائيّة ما بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، ومسار ترسيم الأدوار ومواقع النفوذ لكلّ من إيران وتركيا وإسرائيل في الشرق الأوسط.

ولا يبدو أنّ للبنان علاقة بكلّ ما يجري من حوله، إنه ينبض بالحياة، لكنه غائب عن الوعي، مُنصرف الى تَتَبّع شؤون يومه، من التيار الكهربائي متى يَشعّ، ومتى ينقطع، الى المياه في الحنفيّة التي تعاني شِحّاً في زمن الشِح، الى الحصول على ربطة الخبز، وعلبة الدواء، إذا ما وجدت، وكانت غير مغشوشة أو مزوّرة، الى سائر الشؤون والشجون الحياتيّة… أمّا الحاضر والمستقبل، وماذا يُخبَّأ لهذا البلد من سيناريوهات، فلا شيء من هذا القبيل؟!.

ننتظر المفاجأة عندما تحصل، فنندهِش، شعب مدمن على المفاجآت، وقراءة الكف، والتنجيم، أما الحقائق والأرقام والوقائع فثقافة قد تجاوزتنا، وأهملناها لنتابع أخبار “داعش” و”جبهة النصرة”، وتنظيم “القاعدة”، وثقافة التوحّش.

والمعادلة باتت واضحة، فراغ يستولِد فراغاً، وإرهاب يقابله إرهاب، وسلاح لا شرعي مقابل سلاح لا شرعي، فيما لبنان مسرح، وساحة، وحقل اختبار. ويبقى التوقيت عنصراً مهماً، ذلك انّ إضافة لبنان الى لائحة الأنشطة الأصوليّة تزامنت مع استقدام الطبخة السورية الى مطابخ سويسرا، حيث وضعت في طنجرة الضغط على موقدة جنيف – 2 لإنضاجها.

وبالتالي، فإن الطبّاخين الأصوليّين ينشطون في التوقيت المناسب لكي تنضج الطبخة وفق مذاق المشاريع المشبوهة، أقليّات وأكثريّات، وليس من باب المصادفات أن تصدر أصوات دوليّة مسؤولة ووازِنة في جنيف – 2 تقول إنّ الأقلية العلوية وسائر الأقليات الأخرى ستحظى بحماية دوليّة، وإنّ أكراد سوريا يحقّ لهم بنَوع من الحكم الذاتي؟!

أن تنشَط “داعش” في لبنان وفي هذا التوقيت، فهذا يعني أنّ الأطراف المترامية مع سوريا من عكار حتى القصير قد تكون المساحات المؤاتية لتنفيس البخار من طنجرة الضغط، والتأثر بروائح الحلول التي تعدّ للطبخة السوريّة. ولا مبالغة في ذلك طالما أنّ الجيش اللبناني مستهدَف بالإرهاب، مثلما “حزب الله” مستهدَف.

وعلى المقلب الآخر انّ المبايعة التي تمّت مِن بعض مَن هم في أحياء طرابلس الى أهل “داعش”، أو البيع والشراء – وهذا هو الأصحّ – الهدف منها الاستثمار في المخيمات، وتحويل بعضها ساحة مهيّأة كمنطلق لـ”الجهاد” ضدّ الجيش، و”حزب الله”. وبالتالي، ضدّ الأمن والاستقرار والصيغة بالتزامن مع عودة الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنطقة لإنضاج التسوية ما بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.

وهذه، كما يُقال في بعض الأروقة الديبلوماسية: “لن تكون على البارد، ولا بدّ من حرب مخيمات جديدة لا تنتهي إلّا بانتهاء المطالبة بحقّ العودة، وشَطبها من القاموس اللبناني الفلسطيني العربي نهائيّأ، والقبول بسياسة الأمر الواقع، أو ما يُحاك للاجئين من مخارج تعرف في أوانها؟!”.