حكومة… أم سلّة متكاملة؟

جورج علم (الجمهورية)

الحديث في الوسط الديبلوماسي عن مؤتمر”جنيف ـ 2″ هو حديث عن إعادة “ترتيب الأولويات”، ويدخل التفاهم على معالجة السلاح الكيماوي السوري، والبرنامج النووي الإيراني في هذا السياق.

الآن جاء دور الإرهاب، وسُبل مكافحته. بعد تفجير البرجَين في نيويورك في 11 أيلول 2001، إتخذت الولايات المتحدة، بالتعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، سلسلة من التدابير والقرارات لمكافحة هذه الظاهرة، والتزَمتها دوَل عدّة، إلّا انّ النتائج لم تكن حاسمة، والدليل أنّ الإرهاب عاد يضرب في الشرق الأوسط، وهذا ما دفع الثنائي الروسي – الأميركي الى العمل معاً بهدف شَلّ طاقاته وإمكاناته، ومنع تمدّده ليشمل المجموعة الدوليّة التي تحذّر من عودة الإرهابيين اليها بعد الخبرات التي اكتسبوها في كلّ من سوريا واليمن والعراق.

وخلال أعمال التحضير لمؤتمر “جنيف ـ 1″، ثم لـ”جنيف ـ 2″، حصل تباين في وجهات النظر ما بين موسكو وواشنطن حول سياسة المعايير المزدوجة التي تطبّقها الولايات المتحدة الأميركية في مكافحة الأرهاب، بمعنى أنّ دولاً تتخِذ بحقّها عقوبات إذا لم تمتثِل للقرارات الدولية ذات الصِلة، فيما تغضّ الطرف عن دول حليفة تعرف أنها تموّله، وتدعم عناصره.

فَضح “الربيع الليبي” هذه الإزدواجيّة. يومَها، ظهر الإنقسام في المواقف والخيارات، خصوصاً بعد الحملة العسكريّة التي أطاحت العقيد معمّر القذّافي، وتحوّلَ حاداً حول سوريا، روسيا مع النظام، الولايات المتحدة مع المعارضة، ومع هامش من الحريّة للدول الداعمة…

قبل انعقاد جنيف ـ 2 تغيّرت الظروف الدوليّة ـ الإقليميّة، نجحت موسكو في تثبيت أقدامها في الشرق الأوسط، ونجحت الولايات المتحدة في التخلّص من السلاح الكيماوي السوري، ونجحت طهران في اختراق مجموعة الـ(5 + 1)، والتوصّل معها الى إطار تفاهم حول برنامجها النووي، وفتح قنوات الحوار مع واشنطن. في المقابل كانت الإدارة الأميركيّة قد وفّرت للمعارضة السورية والدول الداعمة مزيداً من الفرَص لحسم الأمور ميدانيّاً. وتأكيداً لذلك، حصل التأجيل الأول لجنيف ـ 2 من شباط الى شهر حزيران الماضيين، وكانت هذه فرصة أولى للمعارضة.

أمّا الفرصة الثانية فكانت في التأجيل الثاني من حزيران الى أيلول الماضيين، والفرصة الثالثة كانت في التأجيل الثالث من أيلول الماضي حتى 22 من الجاري، ومع ذلك لم يحصل التغيير المنشود، بل انّ الذي حصل هو انقسام المعارضة وتشتّتها، وتسرّب الفساد المالي والإداري والتنظيمي اليها، وهذا ما مَكّن الأصوليّة المتطرفة من التسلل، وقد أصبحت اليوم واقعاً على الأرض، وعبئاً على المجتمع الإقليمي والدولي الذي بات لِزاماً عليه متابعة أخبار “داعش” و”جبهة النصرة” وتنظيم “القاعدة” في سوريا ولبنان والعراق، واليمن ودوَل أخرى، لمَنع قيام عمليات ارتداديّة.

الإصرار على عقد “جنيف ـ 2” في موعده المحدد جاء نتيجة تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية على ضرورة “ترتيب الأولويات”، بعدما انتقل الإرهاب من داخل سوريا الى دوَل الجوار، وبعد انفلات الوضع في لبنان، ونجاح “داعش” وأخواتها في فَرض واقع جديد في المنطقة يمكن أن يهدد الاستقرار العام، والمصالح الدوليّة، ويُعيد خلط الأوراق على الساحة الشرق أوسطيّة.

وتشمل عملية “ترتيب الأولويات” الطلب من الدول الداعمة والمموّلة للأصوليات المتطرّفة تجفيف منابعها وقنواتها، ثم العمل على وقف إطلاق النار وفق خطة تدريجيّة انطلاقاً من الجبهات السّهلة في اتجاه المواقع الأصعب، وصولاً الى الوقف الشامل، والعمل على إحداث ممرّات إنسانية لإيصال المساعدات الى مستحقّيها، وإطلاق الحوار بين ممثّلي النظام والمعارضة حول بنود البيان الختامي لجنيف ـ 1، ووَضع حدّ للفوضى الأمنية والسياسيّة المتمادية على الساحة اللبنانية.

لقد بدأ لبنان يستفيد من “ترتيب الأولويات”، والدليل أنّ السعودية وافقت أخيراً على تأليف حكومة جامعة. وسارعت إيران الى إيفاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الى بيروت ليطلب من “حزب الله” تخفيف اللهجة، وتدوير الزوايا الحادّة، والاستعداد للدخول في أجواء التسوية الكبرى، وعادت الدوائر الديبلوماسيّة الغربيّة تذكّر بالتزامات دوَلها في الحفاظ على استقرار لبنان، والحؤول دون انغماسه في حرب أهليّة مجدداً. في المقابل بَرز تَوجّه دولي جدّي نحو جنيف ـ 2، وعلى قاعدة: إجتثاث الإرهاب، العمل على وقف إطلاق النار، إطلاق الحوار حول وضع بنود البيان الختامي لجنيف – 1 موضع التطبيق.

وتأتي الإجراءات التركيّة الجديدة على طول حدودها مع سوريا لتعزّز صدقيّة هذا المناخ. والآن، ينشغل لبنان بسؤال كبير: هل أنّ التفاهم الدولي يقتصر على الحكومة، أم أنه جزء من سلّة متكاملة تشمل الانتخابات الرئاسيّة، وقانون الانتخاب، والانتخابات النيابية؟!