السياسة الخارجية… وسباق الأولويات

جورج علم (الجمهورية)

 أمام حكومة المصلحة الوطنيّة إستحقاقات داهمة: مؤتمر باريس للمجموعة الدوليّة لدعم لبنان في الخامس من آذار، الدورة العادية لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجيّة، والقمّة العربية في الكويت.

مناسبات ثلاث لممارسة ديبلوماسيّة رائدة تعرف ماذا تريد، وتعرف كيف تحقّق الذي تريده في مواجهة ملفّ النزوح المتزايد، وخطر التوطين الذي يلوح مع اقتراب موعد تصفية القضيّة الفلسطينيّة بإبرام الإتفاق الإطار الذي يسعى إليه وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، ووضع سياسة النأي بالنفس موضع الفعل مقدّمةً لا بدّ منها لمعالجة الإرهاب، وتحضير الساحتين الأقليميّة والدوليّة لإجراء الإنتخابات الرئاسيّة في موعدها الدستوري.

الكيمياء الشخصيّة بين الرئيس تمّام سلام ووزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل ليست على ما يرام، كلاهما من الصقور، وكلّ له حساباته الشخصيّة والعامة، وله رؤيته ومقاربته للأمور من زاوية البيئة السياسيّة الطائفيّة المذهبيّة التي ينطلق منها، وله طموحاته في الإنخراط في ميدان السياسة الخارجيّة للبنان.

منذ اتّفاق الطائف، أصبح للبنان 18 وزيراً للخارجيّة، كلّ مذهب له خارجيته، ومنذ وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري الى رئاسة مجلس الوزراء كان هناك تطاول على دور وزارة الخارجية ومهمّاتها، ومحاولات مدّ اليد إلى «خُرجِها»، ربّما كانت الذنوب مغفورة يومها، كون الرجل كان قامة عربيّة، وإقليميّة، ودوليّة، وكان الإنتداب السوري على لبنان يبرّر كثيراً من التجاوزات والتصرّفات.

لكن يبدو أنّ العادة قد تحوّلت عرفاً، وبات مطمح أيّ رئيس يصل إلى السراي أن يمدّ يده إلى «خُرج» الخارجيّة، الأمر الذي كان يسبّب إزدواجية معيّبة تعكس الإنقسام الحاصل أمام الرأي العام الدولي.

وبلغ السيل الزبى مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كان هناك ثلاثة وزراء خارجيّة فعليّون، رئيس الجمهورية ميشال سليمان بحكم صلاحياته الدستوريّة، وميقاتي بحجّة أنّه رئيس «قوي» للحكومة، وعدنان منصور بصفته وزيراً للخارجيّة والمغتربين، والذي اتّخذ مواقف كانت موضع استفهام، وسبّبت كثيراً من الإرباك لكلٍّ من رئيسي الجمهوريّة والحكومة. هل سيردم سلام الهوّة، ويجلس مع وزير خارجيته، ويتفاهمان معاً على العناوين والتفاصيل المتصلة بكلّ الملفّات – التحدّيات؟

أم تعود «حليمة إلى عادتها القديمة» فتقع الواقعة، بحيث يغنّي كلّ منهما على «ليلاه»، في وقت تتهدّد لبنان أخطار ثلاثة: تغيير ديموغرافيته نتيجة النزوح، تغيير توازناته الدقيقة نتيجة التوطين، تغيير دوره، وربّما كيانه نتيجة الفراغ، إن لم يحترم الإستحقاق الرئاسي.

وقبل كلّ هذه الملفّات، هناك أولويات أخرى مهمة وفق حسابات باسيل، هل ينضمّ سلام إلى ورشة العمل الناشطة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان لتمكين النائب ميشال عون من بلوغ قصر بعبدا؟ أم ستكون له خيارات أخرى، ومقاربات مختلفة، ومسارات موازية ومنافسة؟

في ضوء الأجوبة التي لا بدّ من أن «تكشف عن قرعتها» في المستقبل القريب، يمكن استخلاص العِبَر في مدى الانسجام والتوافق، أو مدى التباعد والدخول في معارك «دنكيشوتية» عبر وسائل الإعلام إنطلاقاً من حقيقة دامغة بأنّ وزارة الخارجية هي الآن في خدمة الاستحقاق الرئاسي قبل الاستحقاقات الأخرى.

يملك سلام كثيراً من الأوراق التي قد يستخدمها في المواجهة إذا ما شاءها، أو فُرضت عليه، كذلك يملك باسيل كثيراً منها أيضاً، ويؤكّد أنّه سيمارس دوره كاملاً، ولن يقبل بأن تمتدّ أيّ يد إلى «خُرج» حقيبته.

وإنّ ملف النفط لا يزال في عهدة فريق العمل الذي جاء به إلى وزارة الطاقة، وهو ملف سيطلّ من خلاله على الدول الكبرى صاحبة الطموح والمصلحة في الاستثمار بنفط لبنان، فضلاً عن كونه من ضمن فريق عمل أميركي الهوى جاء به عون الى حقائب رئيسيّة في الحكومة.

إنّه زمن الاستحقاقات، العربيّ منها، والإقليمي، والدولي، وقد أصبحت على الأبواب، فهل سيطلّ عليها لبنان بصوت واحد، وتوجّه واضح لمواجهة المخاطر، أم أنّ بوصلة الإستحقاق الرئاسي ستغيّر الاتّجاه والمزاج؟!