سورية الذبيحة في هانغشتو
د. قصي الحسين
26 سبتمبر 2016
تداعى الأكلة في قمة العشرين الأحد 4/9/2016 في هانغشتو الصينية إلى القصعة. كانت الوجبة الساخنة هي “الذبيحة السورية”. وبدا الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان الأكثر جوعاً إلى النهش من الجثة السورية. وكذلك الأكثر تسامحاً واحدهما مع الآخر، وهما يشاهدان بأم العين، كيف يلغ كلّ منهما بالدم السوري بعد أن تعاونت أميركا وإيران والرجعية العربية في المقتلة السورية وجعلتها جثة في طبق الأكلة، في هانغشتو، وقبلها في نواكشوط أو في القمم الثنائية بين كيري – لافروف أو في يغرها من القمم الثلاثية أو الرباعية والخماسية: العربية أو الاقليمية أو العالمية على حدٍّ سواء.
سوريا الذبيحة منذ آذار العام 2011، ثبتت بعد غسلها في القمتين: القمة العربية في نواكشوط تموز 2016، وقمة العشرين في أيلول 2016 أنها جثة، وأن الذئاب حولها كثر. وهم يريدون أن يظفر كل واحد منهم بحصة، ولو في ظل الأسد المهيض، أو المريض لا فرق.
كان الهتاف في سورية في أوائل العام 2011، للإصلاح السياسي فقط لا غير. كانت المظاهرات سلمية والهتافات إصلاحية. فأخرس الرصاص الهتاف وعسكر المظاهرة. وضربت أبواب الجوامع ووجوه المصلين بأحذية العسكر. وبدأ تنظيم التشييع وقتل المشيعين في انتظام واحد. وانتظم العالم كله في مشهد القتل اليومي منذ أواخر العام 2011، حتّى قمة نواكشوط في المغرب (تموز 2016) وحتى قمة هانغشتو في الصين (أيلول 2016) وبات في حكم المؤكد أن سورية التي توالى العالم كله بما في ذلك النظام والمعارضة على ضربها بالنار طيلة خمس سنوات، قد تحولت شيئاً فشيئاً من شهيدة حية، إلى ذبيحة شهيدة.
تخلى المجرمون شيئاً فشيئاً عن مطلبهم في رحيل الأسد المهيض والمريض. وها هم يتداعون في القمم إلى سورية الذبيحة، كما يتداعى الأكلة إلى الجفنة، وشيئاً فشيئاً أيضاً تنكشف وجوه الحرب على سورية التي يديرها المحوران الكاسران الكبار: الأميركي والروسي. أمّا سائر اللاعبين الاقليميين، فليسوا إلا من صغار الأكلة، تحت مظلة الكاسرين الكبيرين: الأميركي والروسي، سواء منهم إيران أو تركيا أو إسرائيل في ظل إدارة الأسد المهيض والمريض.
وما تنفع الأعلام في القمم، في نواكشوط أو في هانغشتو. هل تحمي سورية من الذئاب الكاسرة التي تتحوطها اليوم وتساوم عليها جثة لا دولة. فلا هدنة في حلب أو في الغوطتين، إلاّ على الركام. وداريا والقصير وحمص والزبداني وحلب والمعرة وجسر الشغور خير شاهد. فلا هدنة إذن إلاّ على الركاميات. فالحرب التي ابتدأت في أواخر العام 2011 واستمرت لأكثر من خمس سنوات حتّى الآن، لا تضع أوزارها إلاّ على سورية/ الجثة والمدن/ الركام.
والشراكة الأميركية – الروسية اليوم في سورية الذبيحة، هي على الحصص من الأضحية، لا على إنقاذ الخروف السوري من الذبح. فلا بأس أن يستمر النظام برمي البراميل المتفجرة على رؤوس الأشهاد. وباستخدام الأسلحة الكيماوية السورية. ولا بأس أن يتباهى قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، في إدارة عمليات الميليشيات والحشود الشعبية في سورية، وبأن إيران هي التي تمول هذه العمليات من خزانة الدولة الإيرانية ومن حساب الشعب الإيراني الصديق.
وفي ظل الشراكة الأميركية – الروسية على سورية الذبيحة، تستدعى الميليشيات والحشود الشعبية ويجيش الأطفال والنساء. فمن ظاهرة أشبال الخلافة إلى ظاهرة نساء الميليشيات ونساء جهاد النكاح يمضي الروس والأميركيون في دفن رؤوسهم في رمال سورية الذبيحة، طمعاً بأخذ الحصص الكبيرة من أضحية الخروف السوري.
فمن الصفقة العسكرية الأميركية في سورية مع الأكراد، إلى الصفقة العسكرية الروسية في المطارات مع النظام، وإلى الصفقة العسكرية الإيرانية على عموم الأراضي السورية عبر الميليشيات انتصاراً للمزارات والمقدسات والعتبات وإلى الصفقة العسكرية التركية في جرابلس بعمق ثلاثين كلم أو أربعين حتّى الحدود التركية / السورية، قبل تاريخ التوغل التركي واجتياز الحدود السورية ومحوها بجنازير الدبابات.
لسورية الذبيحة اليوم من القمم فقط تفاهم الكواسر والجوارح على حصصها من أضحية الخروف السوري: الشعب السوري الذبيح. فالعلاقات بين جميع أطراف القمم: في إيران بين أردوغان وروحاني وفي بطرسبرغ بين اردوغان وبوتين، وفي قمة هانغشتو بين اردوغان وأوباما، وأوباما وبوتين وفي نواكشوط بين العرب والمسلمين أجمعين، إنما هي علاقات ودّ جميلة، أو بداية لعلاقة جميلة على سورية الذبيحة.
والأمانة العامة للأمم المتحدة شرعت دور إيران الميداني في سورية الذبيحة من باب الديبلوماسية، وباركت طموحات طهران التوسعية في سورية وأجلستها إلى قصعة التفاوض على مستقبل الذبيحة، وبان كي مون نصّب نفسه جزءاً من تركيبة القصعة السورية تلبية للرغبات الأميركية، فحوّل المسألة السورية إلى حرب على “داعش” بدل أن ينظر كيف حوّل الكواسر والجوارح في العالم سورية إلى ذبيحة وجثة، وأن يذكر بالقصعة السورية ويندد بالأكلة، وهم يقتسمون لحم سورية الذبيحة وأراضيها ومدنها، ويشتتون شعبها في أرجاء المعمورة، غرقى في البحار، أو عالقين في شباك الحدود المكهربة.
– أستاذ في الجامعة اللبنانية