جائزة إدلب

د. قصي الحسين

ليست إدلب كورة زيتون، بل هي تتموضع على مساحة قدرها ستة آلاف ومئتي كلم2. وهي البوابة الشمالية لسوريا، حيث تطل منها على تركيا وأوروبا. ونظراً لأهميتها، أحدثت في أيام الجمهورية العربيّة المتحدة، واعتبرت منذ ذلك التاريخ من المحافظات السورية المحدثة بل الحديثة، وهي تحتل المرتبة الثامنة، على مستوى سورية من حيث المساحة، كذلك تعتبر في المرتبة الخامسة، من حيث عدد السكان حيث يبلغون زهاء المليونين ونصف اليوم، بعدما استضافت المهاجرين إليها، من القوقاز والشيشان والأناضول، خصوصاً، وسائر أنحاء الأرض عموماً، ممن هاجروا إليها، منذ بدء الثورة الأليمة في سورية في العام 2011.

وهي تقع على حدود لواء الاسكندرون وتركيا في الشمال، بطول 129 كلم، ومن الشرق حلب بطول 159 كلم ومن الجنوب محافظة حماة بطول 158 كلم، ومن الغرب محافظة اللاذقية بطول 29 كلم. وهي تحتل بالإضافة إلى ذلك موقعاً متميزاً وهاماً على طريق الحرير قديماً، وتعدّ بالتالي معبراً تاريخياً هاماً للجيوش الطامعة والزاحفة، طريقاً للحرير وطريقاً مهماً للقوافل التجارية القادمة من الأناضول وأوروبا، إلى الشرق، أو بالعكس، وذلك من خلال معبر باب الهوى الحدودي. ناهيك عن اعتبارها من أعم محافظات سوريا، ومن أهم الجسور بين المنطقتين الساحلية والوسطى، والمنطقة الشمالية والشرقية. حيث يشكل جسر الشغور الرابط الأساسي بين مدينة إدلب، وبين مدينة اللاذقية. أيّ بين المنطقتين الساحلية والوسطى، والمنطقتين الشمالية والشرقية. أي بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية، والمناطق الشرقية، ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.

وتقع إدلب إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب، وتبعد عنها نحو ستين كلم، كما تبعد عن اللاذقية نحو 132 كلم، أمّا عن العاصمة دمشق فتبعد زهاء 330 كلم. كذلك تبعد عن حمص 168 كلم، وعن حماة 105 كلم. ومن أهم مدن المحافظة، بالإضافة إلى إدلب، مركز المحافظة: قلب لوزة وسرمدا ومنطف وقميناس وأريحا، وجسر الشغور ومعرة النعمان.

وتعتبر إدلب الخضراء أرض مملكة إيبلا. وتلقب بذلك بسبب كثرة اشجار الزيتون، ومن قراها ومدنها: سرمين والمسطومة وحارم والفوعة وكفريا وخان شيخون وأرمناز وملس والشيخ يوسف وسراقب وسنجار ودركوش ومعرة مصرين وبنش وكفرنبل وجوباس وسلقين وكفر تخاريم والنيرب.

ويتألف المجتمع السكاني فيها من العرب، وأقلية من الأتراك والأكراد، ويدين أغلبية السكان، بالديانة الإسلامية السنية، وأقلية تدين بالديانة المسيحية، بالإضافة إلى الدروز والشيعة.

ومملكة إيبلا التاريخيّة، تقع في تل مريخ، وفيها قبر الخليفة الأموي الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز. وأما خاناتها فهي: خان الرز وخان الشحادين وخان أبو علي. وفي وسط إدلب بيت العياشي الأثري، كما نجد فيها الحمامات التاريخيّة: حمام الهاشمية وحمام المحمودية. ناهيك عن السباطات، مثل سباط الكيالي وسباط جحا. وسباط يحيى بك. أمّا مواقعها الأثرية فهي كثيرة، مثل: حارم والغدفة وغرميش وسرجيلا ورويحة وشنشرح وملس والترنبة والمغارة وتفتاز ودير شرقي وارمناز، وجرادة وداعودا، وجبل الأربعين، وباب الهوى. ومصايفها الهامة هي: اليعقوبية، والشيخ عيسى، وكوارو والغسانية والقينة.

وازدهرت مدينة إدلب حضارياً في العام 1890، حيث اتسعت سوقها وكثرت مساجدها، وحوت نحو تسعين مدرسة لتعليم القرآن. وفي الحرب العالمية الأولى عانت المدينة من المجاعة، وصودرت كافة غلالها وأخذ رجالها إلى الحرب. وقصفها الاحتلال الفرنسي عام 1920 وشرد أهلها. وفي العام 1958 زارها الرئيس التاريخي الخالد جمال عبد الناصر، وحول المدينة مركزاً لمحافظة إدلب بدل أريحا.

واكتسبت إدلب لقب عاصمة الثورة السورية بعد مدينة حمص و مدينة درعا، حيث هجرت إليها المعارضة السورية، وغدت لها أهمية عظيمة بنظر رعاة قمة طهران: الروس والإيرانيون والترك وينظر رعاة قمة سوتشي الثنائية بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. ولا تزال قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تقبل وترفض وتبعث بالرسائل، إن بواسطة طيرانها، أو بواسطة الطيران الإسرائيلي، حتّى كانت واقعة الطائرة الروسية الّتي أسقطت في البحر وقتل 15 من الروس كانوا فيها، فاشتعلت جبهة ادلب، وحمي أوار المعركة بين الروس والإسرائيليين والأميركيين في العلن، وإن كان أوار المعركة حول إدلب بين الأتراك والإيرانيين والروس لم يهدأ.
وقد أرسل الإيرانيون ميليشياتهم إلى أطراف المنطقة دعماً للنظام الطامع باستعادتها إلى كنفه. وتقدم الأتراك فيها، ظافرين ومنذرين. ودفع الروس بفرقاطاتهم إلى شواطئ اللاذقية، وقابلهم الأميركيون بالمثل. وبدأت العربدة الإسرائيلية تخشى العربدة الروسية. وأخذت هذه الأخيرة تحسب بدقة انزلاقها إلى مواجهة الطيران الأميركي وطيران التحالف، وبات السؤال الذي يحكم الجميع لمن جائزة إدلب؟

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث

عاميات عبد الحميد بعلبكي في “حديث الشيخوخة”