تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث

د. قصي الحسين

تجدر الاشارة أولاً، أن اسم مؤلف هذا الكتاب وهو هشام بن محمد بن السائب الكلبي، إنما يختلط باسم والده محمد بن السائب الكلبي ذلك أن كليهما: الوالد وابنه إنما يشتركان فيما بات معروفاً، بالاهتمام بتاريخ العرب القديم. وهو الاهتمام عينه الذي شغل المؤرخين الذين عاشوا في زمانهما. وقد اعتمد الطبري في تاريخه على معارف هذا الكتاب، وجعلها مادة من مواد عمله التي بنى عليها فقرات كثيرة من تاريخه في الجاهلية والإسلام عنيت الإسلام الأوّل منه، في الحقبة النبوية والحقبة الراشدية الموصولة بها.

نشأ هشام بن الكلبي في الكوفة، وفيها توفي بالعام 204 أو 206 هـ كما يقول الزركلي في أعلامه. ترك لنا إرثاً عظيماً من المؤلفات، بلغت 150 مؤلفاً، أعظمها النسب الكبير أو كتاب جمهرة النسب، الذي روى عنه البلاذري في أكثر مواده من كتابه الأثير “أنساب الأشراف”. كذلك استند إليه ياقوت الحموي، فوضع كتابه: “المقتضب من كتاب جمهرة النسب”.

وكتاب “نسب الخيل” في الجاهلية والاسلام لهشام بن الكلبي، أول من عثر عليه هو المستشرق ليفي ديلافيدا. وقام بنشره العام 1928م. وبعد حوالي عشرين عاماً، أعاد أحمد زكي باشا نشره بالقاهرة في مجلد أنيق سنة 1946. ونظراً لتداخل نصوص النسخة في مصر وليدن بنصوص ليست من أصل الكتاب نهض المحققان: الدكتور نوري حمودي القيسي، والدكتور حاتم صالح الضامن في بغداد سنة 1407هـ/ 1987م، فعادا بالمطبوع إلى ثلاث مخطوطات برواية أبي منصور الجواليقي: 1- نسخة الاسكوريال وهي نسخة نفيسة ورقمها 1705 وهو في مجموع ما كتبه أبو منصور الجواليقي (ت 540هـ) عن نسخة الحافظ محمد بن العباس بن الفرات (ت 384هـ). وقد جعل المحققان هذه النسخة أصلاً، لقدمها أولاً، ولأنها بخط العالم الكبير الجواليقي ثانيًا. 2- نسخة المتحف العراقي (أ) وهي للآباء الكرمليين ببغداد ورقمها 527/3. 3- نسخة المتحف العراقي (ب) وهي بخط الشيخ السماوي ورقمها 1459/2. وقد رمز المحققان إلى طبعة ليدن بالرمز (ل) والى الطبعة المصرية بالرمز (م) أمّا توثيق نص الكتاب فقد توافر من كتب الخيل أولاً، كما صرح المحققان في المقدمة، وكذلك من المعاجم وكتب الأدب والتاريخ.

ونحن نستبين من خلال كتاب “نسب الخيل لابن الكلبي” والهوامش التي اتصلت به والفهارس التي وضعت له، أن هذا النوع من الكتب وهذا الكتاب على وجه التحديد، لمما كان يلقى اهتماماً مختلفاً عند العرب والمسلمين، حتّى كاد أن يتجاوز أحياناً ما عرف من أشكال التأليف بسبب المداخل التي يتناولها وأساليب الكتابة التي يعرض لها. ومثل ذلك باب، صرفت إليه عناية المؤلفين باكراً، وذلك لأسباب عديدة، أهمها، اعتماد العرب والمسلمين على الخيل في حياتهم لتدبر الكثير من شؤونهم في السلم وفي الحرب. ولهذا وضعوا قوائم لأسمائها وأنسابها، حتّى كاد الاهتمام بأنساب الخيل، يشكل جزءاً عظيماً من علم الأنساب ذاته.

فقد أرادوا تأصيل الأنساب لتحديد القيمة وتحديد الأداء وتحديد الأدوار وتحديد المهام، وتحديد الرسالة. ويقول المحققان إن هذا الانصراف العلمي، إنما يشهد على النقاء الصادق والأصل المحض، الذي دفع العرب، للتنقيب عن اصول الأشياء ليأمنوا أداءها ويستوثقوا من اقتدارها.

ويعكس كتاب “أنساب الخيل” كما سائر كتب الأنساب، البناء التكويني للعربي الذي يثير في نفسه مثل هذا الوضوح، خيار المعرفة التي تكفل له الإجادة. فالذهاب وراء النسب بحسب المحققين العلماء، لمما يجعل الناس تقصد المنسوب كحالة مفردة من حيث الصفاء والنقاء والجودة. نظراً لما كانوا يعانونه حين يصبح الدخيل أصيلاً والغريب مؤصلاً والهجين من العتاق.

حقاً، لقد افرد العرب في الجاهلية للخيل اهتماماً عظيماً، فيما عبروا عنه من خلال الشِّعر، فتحدثوا عن الاعتزاز بها، ونقلوا صورها بصورة واقعية حية. ودخلوا في تحديد أوصافها ومناقبها وأوجه جمالها. وتغنوا بها في الحرب والسلم. وصنعوا لها زينتها فكانت نموذجاً رفيعاً من نماذج الزهو والتفاخر. وهناك من الشعراء من تحدث في قصيدته عن اثمانها وفرص بيعها، وربما تجاوزوا ذلك لينطلقوا إلى تأكيد دورها في الحياة، ومكانتها في مواجهة الصعاب. وفي هذا المجال نذكر بقصيدة حاجب بن حبيب الأسدي الذي جعلها المفضل الضبي من بين مفضلياته وعلمها للخليفة هارون الرشيد وأخيه المهدي، حين كانا في طور التنشئة والتعلم (المفضليات 2/168).

ووقف الإسلام المجيد، على الخيل وعلم أنسابها، وأفاض في ذكرها بعد أن اصبح ارتباط الخيل بالجهاد واجباً إسلامياً. يقول تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (الأنفال: 60). وأقسم الله سبحانه بها وعظمها: (والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً فأثرن به نقعاً، فوسطن به جمعاً) (العاديات 1-4).
وأما النبي (صلعم)، فأكرم الخيل أي اكرام، وقال فيها من الأحاديث ما يدل على اعتزازه (صلعم) بها كمثل قوله: “من جهز غازياً كان له كأجره. ولو أن رجلاً أوصى بماله في أحسن وجوه البر لوجب صرف ذلك في شراء الخيل”.
وقد نهى (صلعم) عن أن تقاد الخيل بنواصيها لإنه إذلال لها. وقرن نواصيها بالخير: (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).

وتراث العرب في الخيل كثير: كتاب الخيل لأبي عبيدة بن المثنى (ت: 210هـ) وكتاب الخيل للأصمعي (ت: 216هـ) وأسماء خيل العرب وفرسانها لابن الأعرابي (ت: 231هـ) وأسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها الفندجاني (ت: 430هـ).

وحدث الكلبي محمد بن السائب: “إن أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل، أن قوماً من الأزد من أهل عمان، قدموا على سليمان بن داود بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ فسألوه، فدفع إليهم فرساً من خيله” (ص 29). ويقول في مكان آخر: “وكان فيما سموا لنا من جياد وفحولها وإناثها المنجبات: (الغراب) و(الوجيه) و(لاحق) و(المذهب) و(مكعوم) وهي جميعها لغني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان (ص 33).

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

عاميات عبد الحميد بعلبكي في “حديث الشيخوخة”