صرخاتُ الألمِ!!.. بدايةٌ لإدراكِ عالم معلمي الشهيد!!!…

هيثم عربيد 

منذُ الصغرِ وقبلَ أن نعي معنى الحياة والسياسة والأحزاب، تجذّرت بنا كلماتٌ ومناقشاتٌ وحواراتٌ للوالدِ والوالدةِ ضمنَ الأطرِ السَّمعيَّة التي أرست المعرفة والحشريّة لدينا، لإلتقاطِ صدى الأهل ورؤيتهم التحليليَّة الدائمة، حول ما يقالُ ويدارُ أنذاك عن الحزبِ التقدميِّ الإشتراكيِّ، وخاصةً عن مؤسسِ الحزب المعلم الشهيد كمال جنبلاط ورفاقه، والذي كان ولم يزل وسيبقى بالنسبةِ للوالدِ والوالدةِ هو المثلُ والرمزُ ووجهُ الحقيقة المنتظرة في الإرتقاء بسلالمِ السلام للإنسان والإنسانيَّة. فترعرعنا على مواكبة خطى الوالدين ومَنْ حولهما بشكلٍ عفويٍّ في المنحى الحواريّ السمعيّ المتكرّر، وما كان يقال حولَ شخصيةٍ تعدَّت كل الحدود في النهجِ المبدئيّ والأخلاقيّ والسياسيّ والفكريّ والإنسانيّ والصوفيّ، وأضحت كالحركةِ الّلولبيَّة المستمرة بجماليَّة الزمان والمكان دون حدودٍ أو قيودٍ!!..، وبرؤى المنزل الذي عشق وأحبَّ وآمنَ واعتنقَ جمال الوجود مع الكمال، من خلالِ محبَّة الإصغاء بالصفاءِ وباللاوعي لصغيرٍ احتوى ولم يزل كلَّ تلك الدردشاتِ والمناقشاتِ المنزليَّة حول الحزب وقراراته الوطنيَّة، وهالة المعلم التي انعتقت بنا دون أن ندري، واستمر خبزُنا وغذاؤُنا السمعيّ الدائم مع الوالد والوالدة وما أحاطهما في تلك الأيام المفعمة بالتفاعل مع كل القرارات التقدميَّة الإشتراكيَّة، وخاصةً صوت وتردّدات حكمة المعلم الذي كان الحيويَّة والحركة للوالدين، والإنتظار الدائم على شاشاتِ التلفزة السوداء والبيضاء، أو عبر الأطر السمعيّة التي كانت رائدةً في حينهِ، أو من خلالِ الصحفِ والمطبوعاتِ المتوفرة أثنائها، ليكتملَ المشهدُ بالتسليمِ للكمالِ وتطلُّعاتهِ وإرشاداتهِ على كافةِ المستويات الوطنيَّة والعربيَّة والدوليَّة…

كمال-جنبلاط

إستمرت لغتُنا المنزليّةُ تحاكي الواقعَ بالجمالِ والحوارِ والفرحِ المتمادي، والطفولةُ البريئةُ الهائمةُ ببحرِ التفاعلاتِ والتسجيلاتِ التي تختزنُ الكثيرَ الكثير دونَ قصدٍ أو تصميمٍ، بلْ بمجاراةٍ عفويَّةٍ للحوارِ والنقاشِ الأهليّ، الذي لم يزل متداخلاً ومتجدّداً بذهنيَةٍ متقدِّمةٍ وبترابطٍ وحفظٍ داخل الذاكرة، وكأنَّه العشق المتغلغل في نسماتِ الذكرى، وهو المرسومُ بخربشاتِ اللعبِ والإصغاءِ في آن، لصغيرٍ تعايشَ مع الجذب السمعيّ المنزليّ!!..، بعد كلِّ تلك الغمرات الحواريَّة، أتت الصدّمة التي ما زالت أنسجتي العقليّة والروحيّة تحملها بأعماقي ليومِنا هذا!!!، وهي الفاجعةُ المدوِّيةُ والبركانُ الذي لا ينتهي ولم ينتهِ، حيثُ كنَّا صغاراً ولا ندري ماذا يجري في المنزلِ، فكنتُ متفاجئاً ويداهمني الرعبُ من سماعِ صراخ والدتي وأنينِها الذي لم أعتده من قبلِ البتّه، وهي تولّول وتتألم ودموعها تذرف كالمطرِ على خدودها وتقول وتردّد: “قتلوه.. قتلوه.. قتلوه.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. “…!!! وتستمرُ بالصراخِ والأنين والهلوسة والكلام المتخبّط، والدموع تلاقي الدموع على مساماتِ وجهها الدامعِ مع العيون، وهذا غيضٌ من فيضِ كلماتها الباقية أبدا: يا خسارتنا التي لا تعوّض!!!.. ويا كبيراً لم تمتْ!!!… ويا شهيداً لن ترحلَ!!!… ويا فلسطين سيبقى الكمال الذي أحبَّكِ!!!… ويا عروبياً شامخاً بدمائِكَ!!!… ويا أممياً متجذراً ومترابطاً بالفكر الإنسانيّ!!!… وسيسقط الجزار.. سيسقط الجزار.. سيسقط الجزار!!!.. الذي قتل النور بداخلِنا!!!… وأكملت العاصفة الشديدة بالصراخِ والبكاءِ وبإهتزازات الأعماق المتوهِّجة بالرفضِ والإستنكار والحزن والألم، وكأنَّها ثورةً لا نهاية لها، بشكلٍ فاق الحدودَ والتصوّرَ والقدرةَ على التحمّلِ، حتّى أحسستُ بالخوفِ الشديد والكبير لِما جرى ويجري لأمّي وللأجواء المنزليَّة بشكلٍ عام، وبعدما هدأت العاصفة أو بالأحرى الإعصار رويداً رويداً واكفهرَّت حياتنا المنزليَّة لسنواتٍ طويلة، علمت أنَّ السبب لذاكَ الإعصارِ وثورتِه آنذاك، كان إستشهادَ المعلم كمال جنبلاط وهو الشخصيَّةُ التي كانت بالنسبة للأهلِ ولوالديَّ بشكلٍ خاص بمثابةِ الجمال الوجوديّ والحواريّ والحياتيّ، والحقيقة المستقبليَّة المتنوّرة بالوعي كلِّ الوعي، أي بمثابةِ السَّناءِ السَّاطع من وجه الله لأجلِ خير الأمم والبشريَّة جمعاء، وهو الذي استحقَ الشهادةَ الحقيقيّةَ كرمى لعيونِ الإنسان والإنسانيّة.. وسنعلو معهُ وبهِ ولهُ، كي نبقى للنصرِ رسالة…!!!

المعلم كمال جنبلاط

 معلمي، وبعدَ معانقةِ أمّي وجهَ الحقِ بالرحيلِ دونَ وداعٍ، واتّحدت بعلياءِ الحقيقةِ لتكملَ ما بَدَأتهُ على الأرضِ من اعتناقٍ لنهجِكَ ومبادئِكَ ومحاكاةِ الروحِ بالإتِّحاد أو التجدّدِ في مضمارِ جوهر الوحدة الكونيّة واستمرارها بجماليَّةِ العقل الكلّي، وهي اعتلت معكَ وجهَ الحقيقة يا حبيب الحق يا معلمي، وأنتَ من منعتَ الرَّدَى عن الإنسان لنلمحَ سناكَ الدائمَ في غسقِ الدُّجى، رغم التوحّشِ المُسدَلِ في أنظمة القهر والدكتاتوريَّة العربيّة وغيرِها والتي واجهتَها بإرادةِ الوعي والحريَّة، وكنتَ البدرَ والفيصلَ للإنسانِ ولم تزلْ، وأنتَ ستبقى المُنى والرجاء والوفاء، وهم كانوا وما زالوا في دهاليزهم يؤولون نقدكَ وفكرَكَ التصحيحيَّ والتصويبيَّ والتنويريّ شرَّ مؤولٍ!!!.. ولم يكتفوا بسفكِ دمائِكَ بل ما زالوا يعيثونَ في الأرضِ فتكاً وقتلاً وفساداً وتدميراً، لأنَّ العالمَ ما زال بينَ فكّي المصالح والمحاور القاتلةِ والهدَّامة على كافة المستويات البشريَّة التي تزدادُ انحداراً وتطَّرفاً بالمنحى الإنسانيّ والأخلاقيّ!!!… لكن، يا معلمي يا كمال، بعدما تعرَّفتُ عليكَ بدموعِ والدتي التي رَوَتْ قلبيَّ وعقليَّ وفكريَّ بمحبتِكَ وحكمتِكَ، لذا، يبقى اندماجُ صدى صراخِ والدتي بصراخي لأقولَ لكَ: ستبقى صِلةَ الوصلِ المبدئيَّةِ للحياةِ بإنسانيتِها.. وستبقى الثريَّا والثرى والروحَ المتوحِّدةَ بشعاعِ الفكر الإيماني المنبعث لإرساءِ خطى السعادةِ عبرَ المعرفةِ وتقدميّةِ الأفكارِ، ليرتدي الإنسانُ الجديدُ الذي أردتَهُ جوهرَ ردائِك في الحريَّةِ والإنسانيّةِ.. وستبقى معالمُ النورِ الحقيقيَّة مهما طغتْ لغةُ الإنحدارِ لأنَّك الكمالُ المتسامي بالحقِ.. وستبقى أنشودةَ العقلِ والعِلمِ والحبِ والجمالِ والمبادئ دونَ منازعٍ.. وستبقى رايتَنا الخفَّاقةَ.. وصدى الرنينِ بمعاولِنا.. والعقلِ المتجلي بريشتِنا.. والإنقلابِ الشاملِ بأذهاننا.. وسعادةَ الروحِ بنبضِنا.. وحلمَ السلامِ برؤيتِنا.. والوحدةَ التكوريّةَ بإنسانيتِنا.. والعروبةَ المتنوِّرةَ بنهجِنا.. والعملَ والعطاءَ بأخلاقِنا.. والحناجرَ الهاتفةَ لثورتِنا.. والمدَّ والجزرَ لطبيعتِنا.. وفرحَ الحقيقةِ بأنسجتِنا.. ونقدَ النقدِ بأفعالِنا.. وجدليَّةَ الإرتقاءِ بمبادئِنا.. وكتابَ الوعي بعالمِنا.. ومدرسةَ العقلِ بديمقراطيتِنا.. ونسائِمَ العطرِ بزهرتِنا.. وأدبَ الحياةِ بتربيتِنا.. وقدسيَّةَ الإنسانِ بمحورِنا.. والغايةَ المرتجاةِ بجهدِنا.. وثورةَ التنويرِ لذواتِنا…

 وستبقى وتستمر وتبقى: سيدَ الأحرارِ.. صانعَ الأبطالِ.. ملهمَ الثوارِ.. مدركَ المنالِ.. حقيقةَ الأغوارِ.. نبضَ الإستقلالِ.. حريَّةَ القرارِ.. شعاعَ الأنوارِ.. صوتَ الفلاحين.. هدى المناضلين.. رؤى الواثقين.. صرخةَ المساكين.. خبزَ الجائعين.. صفاءَ المؤمنين.. نبضَ المبدعين.. حُلمَ الهادفين.. وهجَ المدركين.. خطى الناجحين.. محرِّرَ التائهين.. سلامَ المؤمنين.. قميصَ الكادحين.. إنسانَ الإنسانيين.. كمالَ الثائرين…

اقرأ أيضاً بقلم هيثم عربيد 

نكتبها بالنّور كما تكتِبُنا!؟

 المرأة الإنسان!..

ثقافة السلام الحواريّ.. لا الإستسلام الفئويّ!

الزمان والمكان عانقـا الحقيقة برداء الكمال الإنساني!

متحف ومكتبة الموسيقى العربيّة، حلم الإرادة التصميم المنتصر!

أيّها الشريف! أنت الوعد الأخلاقي للنضال الإنسانيِّ!

الرفيق طارق يأبى الرحيل، وهو باق بأسرة العمر الجميل!

التهديد للوليد لم ينه حلمَهُ البتّه، بوطن السّلام والحياة

 المربي سليم ربح على عرشِ التَّربيةِ والمحبَّةِ والخلود

الإنتخابات البلديَّة هي المنطلق لكسرِ حلقة الفساد والإفساد

كيف نعملُ يا كمال؟!.

نسمات محبتك الدائمة.. لم ترحل يا أمّي!.

كمال جنبلاط لم يرحل!

وداعاً نبيل السوقي .. والفكر التقدّميّ سيتوّج حلمكَ بالإنتصار!!!…

الرئاسة بلغة الممانعة وديمقراطية الإقصاء…

معلمي.. ثورة للإنسان والإنسانية.. والحقيقة والحريه…

سمير القنطار… شهيد الوطن المقاوم…

كمال الولادة والشهادة، رسالة فجرٍ دائمة، للحريّة والسعادة!!!…

فؤاد ذبيان.. أرزةُ عشق تربويّةٍ

الحِراك المدَني وخطى النجاح المتلاشية والمهدورة!!!..