إلى محمد جواد ظريف الجار يبقى الجار طالما بقيت له الدار

أحمد منصور

نشرت “السّفير” الغرّاء رسالة لوزير خارجية إيران، ضلع الثالوث (إيران – تركيا- إسرائيل) السّاطوري للمشرق العربي.

تبدو هذه الرسالة قالب غاتو مستطيلاً طويلاً يموج خارجه بما يُسيل اللعاب للجهلة  من أبناء عرب آخر زمان الذين لا يعرفون حشو هذا  القالب الذي فيه المقالب والتضليل على الناعم… والكاتب إذا ما اعتمد قرّاءته من الحكّام العرب فهو على حق. أمّا لو تطلّع إلى القرّاء الحقيقيين الجذور الأعين الأقلام الحيّة في التراث العربي القديم والمعاصر (ولئن كانوا في السّجون داخل الأوطان وخارجها في المنافي العالمية) لكان فكّر كثيراً قبل خطّ أيّ حرف.

يقول أشقاؤنا المصريّون “أسمع كلامك يعجبني أشوف عمايلك أتعجّب”، وهذا ما قد ينطبق على وزير إيران الذّكي.

كلّنا يا معالي الوزير يعرف أنّ إيران الجارة العزيزة تحتلّ عربستان (بلاد العرب) منذ طردها لأميرها خزعل منذ العام 1924 وضمها بترابها وحلالها وأهلها ونفطها وقطفها.

(وأخيراً وليس من بعيد جرت مباراة بكرة القدم بين فريق إيراني وآخر سعودي في عربستان فرشق عرب الأهواز بالحجارة وما تيسّر أبناء الفريق الإيراني ودعوا له بالهزيمة).

هذا يعني أنّ الشّعوب لا تموت يا معالي الوزير حتّى ولو أخرستها القوّة عقوداً وقروناً.

أضف إلى ذلك إحتلال إيران الجارة حاملة راية الثورة الإسلاميّة لثلاث جزر في الإمارات قدرةً واستقداراً معتبرة هذا حقّاً من حقوقها وكأنّ شيئاً لم يكن…

ظريف لبنان

وهذا ما دعا الإمارات إلى الإستجارة “بالأمّ الحنون” فرنسا لتقيم قاعدة لحماية الباقي أمام الجارة الكاسحة. إنّما للعدل والانصاف نحن نشهد بأنّ ليس كلّ ما تقوم به إيران سيئاً فإنّها في خلق حزب الله وتسليحه وتمويله (ممّا أدّى إلى طرد إسرائيل من جنوبنا المحتّل) يُعتبر عملاً إيجابيّا، لكنّ دفعها بالمقابل حزب الله  الطريّ العود بآلافه سيّما الفتيان في حروب خارج المستطيل الصغير قد يهدّد باستنزافه لا بل بزواله (لا سمح الله) سيما وأنّ حربنا مع إسرائيل لمّا تنتهِ بعد وأنّ أراضي أخرى في شبعا وكفرشوبا تنتظر دورها في التحرير. إنّ اسرائيل اليوم هي في وضع سحريّ كأنّها تتمدّد على سجّادات فضائية مستمتعة بحروب الحركات الإسلامية والأنظمة التي تتباهى بهمجيّة لا حدّ لها…

إنّ اختيار السّيد الوزير للبلدان التي سيزورها (العراق- الكويت- وقطر) وربما بلدنا لبنان اختيار مدروس.

الكويت التي أمست الجارة الجديدة كما قالها أحد المسؤولين بعد اجتياح جنوب العراق مؤقتاً في الحرب مع العراق الصدّامي. والعراق في المجال الفارسي هو الامتداد لفارس إمبراطورية الفرس في المنطقة أمّا قطر فلها دورها في تمويل حركات اسلامية بالإضافة إلى أنّها أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة كما أنّ غزلها مع إسرائيل ليس سرّاً لغناها المالي الآتي من النّفط فهي تنافس إيران في النفط وشراء الإعلام ومساعدة حركات إسلامية لترجمة جبروت مالها كقوّة سياسية أمام السعودية وسواها فكأنّ هذه القطرة غدت محيطاً والدولة الصغرى دولة كبرى فسبحان المال !!!…والتي قاطعتها في الأشهر الأخيرة معظم دول الخليج وعادت واصطلحت معها. يريد الوزير أن يفهمنا أنّ جولته قُرّرت بعد عقد الاتفاق النووي  التاريخي بين الخمس الكبار + المانيا مع إيران. وجاءت تأكيداً لهذه الاستراتجية فكأنَّ هذا التوقيع هو البوابة السحرية للجنّات الّتي شقّتها أيدي ايران في الرمال المشرقية  “إنّ منطقتنا كما قال الوزير في الوقت الراهن تمرّ في اضطرابات وتواجه مخاطر جدّية تهدّد أسس المجتمع والثقافة فيها.

إنَّ إيران لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة  أمام الدمار الهائل في أطرافها (وكأنَّ لا دخل لها في ذلك) لاسيما أنّ التجربة تقول لنا أنّ الفوضى والإضطرابات لا تعرف حدوداَ. وقد حان الوقت للتفرّغ لأعمال أهم وفي مقدمتها البحث عن آليات تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور التوتّر وعوامله وغياب الثقة بها. حان الوقت للتفرّغ لأعمال أهم:

SYRIA-CRISIS/

– إنَّ تشكيل مجمع للحوار الإقليمي في منطقتنا لغرض تسهيل التعامل حاجة ماسة ولا بدّ أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة.

– إحترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها.

– الإمتناع عن التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

– تسوية الخلافات سلميّاَ.

-منع التهديد أو استخدام القوّة. والسعي لإحلال السلام والإستقرار وتحقيق التقدّم والسعادة في المنطقة.

– الأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين. وإنَّ أيَّ شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه دون الأخذ بالإعتبار مصالح الآخرين.

إنَّ اليمن سيكون نموذجاً جيّداً (سبحانك يا ألله!!) في منطقتنا يجب أن لا نفقد الآمال على أنَّ كل مشاكلنا مِنْ مَنْ كان لهم الدور الأساسي في خلقها.”

إنّ هذا الكلام جميل منطقي من حيث الشكل وحق لا نريد أن يكون به باطل… أو كالذي يولّع الحريق بنفسه. وينادي من بعيد إلى الحريق… إلى الحريق…

إنّ الوزير يعرف أنَّ التاريخ كلّه حروب بحروب فالدنيا مصالح والذهب لمن غلب وما الأديان سوى محاولات للجم هذا المسار الجهنّمي وأنبياؤها معظمهم يسقطون شهداء في سبيل هذا السبيل وما الحضارات بشكل أو بآخر سوى صرخات لأرواح الشعوب وأعين أبطالهم. لكنَّ مهما طالت سرعان ما ستزول (الأمثلة الصارخة: أثينا، روما، المدائن) موسكو السوفيالتية والأن واشنطن التي بدأ ينخرها سوس النهاية فأيديها على قلبها وعيونها على ضوئها…

اليمن

قد يكون الإسلام الذي يغطّي ربع العالم هو الوحيد الشّاذ نسبيّاَ وهو الذي ما عرف الزوال كحضارة ودين ولئن زال “كامبراطورية”.

إنّ غباء العرب العنيف الجامح ( بعد انطفاء الأسطورة الناصرية) وفحيح الخواء الحضاري في الساحة العربية الذي لا يملؤه سوى فحيح النفط وهديره هو الذي أعطى بلادكم ( بثورتها التي لا تزال) الأمل بإسم الإسلام لتعود فارس فَرَس المشرق المفقود.

إنَّ الأرض- يا معالـي الوزير- لمن يحرسـها ولكـن ليس في تدمـير الآخرين فاسـمع صراخ اليمـن التعيس (غزّة استثناء كحزب الله في معركة التحرير) وتدمير الجوامع على رؤوس المصلين والمؤسسات الرسمية والمصانع..

إنَّ الأقوال الحقيقية هي الأفعال والأفعال فقط ونحن كمثقفين بيتنا في ثرانا وتراثنا. نحن مع التجانس بين الكلمة والفعل…

إنّه لحلمٌ كبير يا معالي الوزير أن نعود حضارةً اسلاميّة تحمي الغريب قبل القريب. والجنس البشري كلّه بحاجة إلى نَفَسٍ جديد وإنسانٍ جديد بعد أن باخ وشاخ.

إنَّ روابطنا معكم لا يجب أن تكون كالزواج الشرقي الذي يشرق بالوعود الخلاّبة والذي لا يُحْلَب منه سوى السراب.

الكرة في ملعبكم.. أجمل السياسات هي التي تنطلق من وقائع على الأرض.. وما الذي يمنعكم من نقدٍ ذاتيّ وإنشاء جامعة أمم مشرقية إنسانية جديدة تجمع الشعوب والدول بناءً على ميثاقٍ فيه تعلن حقوق إنسانٍ جديد ومنطق جديد على الأقل في منطقتنا من هذا العالم…

آنئذٍ سيجري إليكم الجميع بدلاً من أن تجروا وراءهم.

والسلام الأجدى على من في الحقيقة اتّبع الهدى.

ربّما لو أخذتم بتجربة الإمارات السياسية وما أخذتم بتجربة احتلال جزرها لكان ذلك خيراَ لكم ولهم ولنا وللجميع.

يريدنا الوزير الظريف أن ننتظر معجزةً في عصر انقرضت فيه النبؤات والمعجزات فهل نأخذه بالأحضان وننسى الزمان والمكان وعِبَرَ الحدثان؟ تلك هي المسألة!!…