عن السويداء في الماضي والحاضر!

أحمد منصور

سألني أحد الزملاء الكتّاب في بيروت عن رأيي في الوضع فقُلت: أنتَ تعرف أن موقع الشويفات الإستراتيجي دقيق خطر فلذلك شعوري لا يوحي بالراحة. أجاب: أنا أقصد السويداء أجبتهُ على الفور: من يريد الهجوم على السويداء كأنه يقوم بالانتحار! وهذا موضوع مقال سأكتبهُ هذا المساء.

سأبدأ التحليل من عين الدائرة: عندما كان الأمر يتعلق بالدفاع عن سوريا كانت السويداء بقيادة الخالد سلطان المقاومة سلطان باشا الأطرش رأس رمـح الثورة السورية العامة الكبرى التي شـعارها “الدّين لله والوطن للجميع” كانَ معهُ في جهادهِ شرفاء سوريا من جميع الطوائف فبدأت البطولات ضدَّ المستعمر الفرنسي بمعارك الكَـفْر والمزرعة والمسيفرة مروراً بغوطة دمشق إلى الفالوج إلى راشيا حيثُ كان التسابق على الإستشهاد يُشكّلُ سلالمَ لمقتحمي قلعة راشيا الشهيرة، ومن هناك إلى حاصبيا ومرجعيون…. جيلٌ تقريباً بالكامل أعطى دمه لسوريا العربية وشَهِدَ بذلك الفرنسيون بالدرجة الأولى. كما لو أنَّ قَـدَرَ جبل العرب البني معروفي كشعب أفغانستان هو تحطيم الأمبراطوريات فآباء سلطان باشا الأطرش حاربوا الأتراك وجيش إبراهيم باشا، وأخيراً أديب الشيشكلي الذي ضربَ السويداء بالطيران والقنابل أسقطوا نظامه كما لَحِقَ بهِ أحدهم حتّى البرازيل وقتله.

syria

إنّهم في حروبهم دفاعيون لا يعتدونَ على أحد، ومنذُ ألف عام أقفلوا دعوتهم الدينية أمام الغير فما هم يريدون أن يتوسّعوا عدديّاً ولا إقناع الآخرين بصحةِ مسلكهم الدّيني الذي يعتبرونهُ حركةً تصحيحيّة حقيقيّة أو عودة إلى الأصول والعصرنة حيثُ أوصلوه إلى أبعد المناطق حتّى الهند والصين وشمال إفريقيا واليمن…… إنهم مسالمون في قراهم ومدنهم يطيعون القوانين ويخضع أبناؤهم للجندية وآخر مثالٍ على ذلك مشاركاتهم كجنود في الجيش السّوري كلّـفتهم حوالي ثلاثة آلاف شهيد.

إذا عدنا قليلاً إلى الوراء فإنّنا نرى أنّهم كعسكريين من سليم حاطوم إلى فهد الشاعر وسواهما هم الذين قاموا بإنقلاب الثامن من آذار عام 1963 وهم الذين حموا الإنقلاب بإرسال مئات الشباب بلْ الآلاف كحرسٍ قومي من محافظة السويداء إلى سائر المدن لحماية ذلك الإنقلاب الذي سمّاه البعثيون ثورة.

إنَّ بني معروف يلتصقون ببيوتهم كما تلتصق الصخور والأشجار بالتربة ويعتمدون على عامل الزّمن الكفيل بتغيير الأحوال وتبديلها ومن يهاجمهم في عقر دارهم يجب أن يحسب ألف حساب. تأكيداً لمسالمتهم وحفاظهم على القيم العربية فإنَّ جبل العرب الذي يُقدّر سكانهُ بنصف مليون نسمة يحملُ على ظهرهِ من المواطنين السوريين النازحين في الداخل حوالي مليونيين.

كلُّ هذا يجب ألاّ يحجب فروسيتهم واستماتتهم في القتال ( إذهبوا إلى قرى الجبل ومدنهِ لتروا الكثير من النصب والتماثيل لنسور الجيش العربي السّوري في حرب تشرين 1973 ) والتاريخُ شاهدٌ دائماً بأنَّ العصبية الفولاذية عندهم كأقليّة من الصعب كسرُها لا بلْ من المستحيل. فهم كصدر النحاس الذي إذا ما رنَّ من جهة يمتدُّ رنينهُ في جميع الجهات. ومن هنا أخذت أصوات بني معروف تعلو في كلِّ مكان في حال مساس حجر من أحجار السويداء. والأمير شكيب أرسلان أهمُّ زعيم ٍعربي إسلامي في القرن العشرين لم يكن طائفيّاً بلْ إعتنقَ السنّة كمجالٍ أوسع وأكثر فاعلية للقيام بدورهِ على صعيدٍ إنسانيّ وكذلك أخوه الأمير عادل القائد الآخر للثورة السوريّة الكبرى، والشهيد كمال جنبلاط الذي كانَ علمانيّاً وعروبيّاً وشهيد الثورة اللبنانية الأخيرة وفلسطين.

إنَّ إنكماش بني معروف على أنفسهم والإنغلاق على رسائلهم الدينيّة وإقفالهم باب الدعوة كلُّ ذلكَ تركَ المغرضين ينعتونهم بصفات ليسَ فيها جنس الصحة ولئن قامَ عالم إجتماعي موضوعي مستقصيّاً عن القيم العربية الإسلامية الممارسة لوجدها عندَ هؤلاء الناس.

مثقفو بني معروف كلهم عرب قوميون يساريون إشتراكيون مذهبهم الفعليّ هو سلوكهم على الأرض بينَ الناس.

على الصعيد العسكريّ جبل العرب بمساحتهِ التي لا تقلّ عن سبعة آلاف كلم2 وسكانهِ الخمسمئة ألف وقراه الأربعمئة بإمكانهم أن يشلّوا “الفرق المهاجمة” سيّما وهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم، ولن يتركهم وحدهم أبناءُ جلدتهم في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والمهجر في معركة المصير.

كلُّ الأفكار والفلسفات تسقط عندما تكون حياتُك وحياة عشيرتك في خطر أمام برابرة آخر زمان سيّما وأنتَ مسالمٌ في عُقرِ دارك. ما عليهم إلاّ العبرة والإعتبار. فهم ليسوا قتلى قلعة مسعدة بلْ شهيدهم يستشهد بعدَ أن يقتل أكبر عدد من مقتحميه وما إعتادَ الهروب بلْ المباراة البطوليّة مع رفيقهِ في ميدان القتال ضدّ العدوّ.

فقليلاً من العقل يا أصحابَ النيران المتأججة الكثيرة والهمجية الأكثر.

إنَّ الغد كما الأمس لناظرهِ قريب، وإنّ لما حدثَ في جبل حرمون وإدلب وسواهما ثمناً لنْ يستطيع أن يقدرهُ إلاّ أصحاب النظر البعيد البعيد فاعتبروا يا أولي الألباب إن كانَ عندكم ألباب.