كيف نمنع دخول رجال إلى تنظيم “داعش” في سوريا من الخارج؟

أحمد منصور

السؤال للإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي استوقفتني في شارع الحمراء. ناقل السؤال عبارةٌ عن ببغاء صوتي تساعدهُ جهالتهُ في السياسة وحاجتهُ في الحياة أن يطرحهُ على المارة ويُسجّل الردود لتُشكّلَ جزءاً من برنامج في الإذاعة القد تكون الأكثر تقنية والأبرع إخراجاً في العالم وفي التاريخ تحلّ محل جيوش الأمبراطورية التي غابت عنها الشمس وتركتها لضبابها الذي هو روح طبيعتها. هذه الجيوش الكلامية كلفتها أقل بكثير من الجيوش الفعلية النظامية وفائدتها قد تكون اكثر وأكبر طالما كلُّ شيءٍ إقتصاد توجّههُ السياسة. قُلتُ للسائل هل انتَ متأكد من السؤال؟ أجاب: نعم بإرتباك. أجبت مع إحترامي لواضعهِ: فإنّهُ ليسَ سؤال عارف مختص بالشؤون السياسية العالميّة. يسحب الرجل السؤال من جيبهِ مطبوعاً على وريقة قائلا: إشرح ذلكَ في الرّد.

أجبت: يا أخي تنظيم داعش “دولة” إسلامية تسيطر حاليّاً على مساحةٍ ممتدةٍ بينَ العراق وسوريا قد تصل إلى ثلاثماية ألف كيلومتر مربع أي مساحة لبنان ثلاثين مرّة. تنطلق من المدى السنّي الحاضن الذي قمعهُ الحكم الشيعي القصير النظر في العراق والعلويّ المتعصّب في سوريا منذُ عشرات السنين. هل تستطيع أن تضع جنديّاً على كل متر من هذه الحدود الطويلة؟ سيما إذا عرفتْ أنَّ ألألف وخمسمئة جندي الذين دربتهم المخابرات الأميركية في الأردن سرعانَ ما انضموا إلى تنظيم داعش لا إلى الجيش الحرّ

هذا المدى الداعشيّ تخومهُ تركيا إيران الأردن كردستان. كيفَ ظهر في مثل هذه السرعة لو لم يكن وراءه قوىً فعّالة كثيفة. إنَّ بروزهُ أغرب من الخيال. سوريا كانت لا تستطيع أن تطير فراشة فوقها دونَ أن تعتقلها، أمّا إذا كان سربَ طائراتٍ إسرائيلية مدمّرة فإنها تُغمضُ عينيها لتدعها تفعل ما تشاء حتّى لا يكون الضرر أكثر والخطر أعظم. فمن أين إذن أتى داعش إلى سوريا؟

Daesh-Weapon

إنَّ الخزان البشري الأساسي هو في الداخل السوري والعراقي نتيجة القمع القاهر الرابض بثقلهِ على السنّي الذي يستند إلى أكثريّة إسلامية في العالم العربي والخارج.

إنَّ رد الفعل الشيعي والعلوي على صعيد الحكم وممارسة السلطة كانَ أقوى من فعل الحكم “السنّي” في هذين البلدين فيما سبق، والآن نحنُ في مرحلة ردّ الفعل الأقسى على رد الفعل القاسي الذي يرتدي طابعاً جهنميّاً في الجهتين كلتيهما (القتال بين داعش والأكراد يأخذ الطابع القومي بالنسبة للأكراد والسنّي بالنسبة لداعش) فالقتلُ الجماعيّ عن طريق التفجير في المواكب والجوامع والأسواق كذلكَ أثر إحتلال قرى الخصم أو قرى مسيحية او أزيدية وجرفها من السكان وسبي النساء وتزويجهن أو بيعهنَّ كل هذا يُجسّد ظاهرةً رهيبةً لم نكن لنتصورها في القرن الواحد والعشرين (إذا ما أستثنينا ما حصل في لبنان من مجازر في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي).

إنَّ زرع دولة داعش بجيشٍ يتجاوز الثلاثين ألف عنصر يستسلم لهُ الجيش العراقي سيّما في الموصل بفرقهِ الأحدى أو الأثنتي عشرةَ تاركةً سلاحها على الأرض ومشرّعةً أبوابَ الموصل بمصارفها وشوارعها. شيءٌ لا يصدّقهُ الخيال. كذلكَ يجب أن لا ننسى الإمتداد المتواصل داخل العراق المتّصل بالإمتداد الداعشي داخل سوريا.

إنَّ كسر نظام سايكس بيكو 1916 يُجسّمُ ظاهرةً تجعلنا نعيدُ النظر في ثقافاتنا ودراساتنا.

فالعودةَ إلى مفهوم القرن الأول الهجري أي منذُ أربعةَ عشر قرناً (ونحنُ في القرن الواحد والعشرين عصر الطائرات بدون طيّار) تدفعنا إلى طرح السؤال كالمئذنة لماذا وكيف؟

إنَّ ما ينقص خبراء مراكز الأبحاث السياسيّة في الولايات المتحدة بالذات هو الإطّلاع على أدب التعذيب في السجون العربية على طول العالم العربي وعرضهِ كذلك على آليّات التنكيل الغربي في أفغانستان والعراق وغوانتنامو…. بالإضافة إلى أكثرية من الشبّان تُشكّل أكثر من خمسين أو ستين بالمئة معظمهم دونَ أمل يرتادون المقاهي ويتسكّعون على الأرصفة والساحات والمقابر والعشوائيات.

ما الذي ننتظرهُ من هؤلاء الذين فقدوا الأمل في الحياة الكريمة وترجمة أمانيهم إلى واقع في عالم تكنولوجيته بلغت فيه حدّها الأقصى. فبمجرّد إعلان “بالفردوس المفقود” نرى هؤلاء الشبّان ينقادون أوتوماتيكياً كالعميان بالآلاف والآلاف. إنّها المغامرة المثيرة. من هنا استثمرت الديماغوجية الداعشيّة النهج الإسلامي في الفتوحات على طريقتها. الغنيمةُ في النّصر، والجنّةُ في الشهادة. ما الذي ينتظرهُ أكثر من هذا هؤلاء الشبّان والشابات لكسر رتابتهم القاتلة وروتينهم الذي يبري كالمنشار. إنهم ينعتقون من موتهم في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وأوستراليا وأنجلترا ويستغلون القوانين الغربية للنفاذ منها نحو أهدافهم.

لقد توجه الآلاف ولا يزالون رغم الخسائر في صفوفهم…. هناك مسؤولو مراكز الأبحاث لا يفهمون أنَّ الإنسان عندما يعتنقُ قضية تنعدم المسافة عندهُ بينَ الحياة والموت، وهؤلاء ليسَ المعاش الماديّ وحدهُ الذي يحركهم بلْ الإيمان الطّاغي بالمعتقد، والتّجلي بالجديد الذي يحلمون بهِ.

في الآونة الأخيرة بدأ الغرب بدولهِ العديدة يخشى عودة هؤلاء ويخاف مما يمكن أن يفعلوه في بلدانهم (كما جرى بعد أفغانستان والشيشان) فأخذت الرقابةُ تشتدّ وهذا ما منعَ هؤلاء الشبّان من السفر بتأشيرات سياحيّة على المراكب نحو تركيا وما شابه ومن ثمَّ التوجه إلى المعارك.

إنَّ الوسائل لا تنقص أمامَ شبّانٍ متوقدين متعطشين للجهاد من هذا النوع.

كذلك الهامشية التي يحياها الأجيال ذوات الأصول العربية والإسلامية والتي اعتنقت الإسلام في دول الغرب ناهيكَ عن البطالة والتمييز العنصري واللونيّ.

ليسَ هناكَ إلاّ حلّ اساسي واحد ممكن تحقيقهُ لتجنب هذه المعامع البربريّة، لكنَّ من يستطيع أن يقوم بهِ ليسَ عندهُ الرغبة وإنْ توفرت الرغبة فإنَّ توفر القدرة التنفيذيّة والنفسية قد لا تكونان رهنَ الإمكان أو الاقتناع.

هذه ِالدول عليها أن تُطبّق قوانينها الديمقراطية ذات الوقع الإقتصادي على أرضها في الدرجة الأولى من حيث التساوي بين جميع مواطنيها وتوفير الفرص، وإذا ما فعلت ذلك فإنّهُ لنء يكون هناك مبرّر لتسابق البعض من أبنائهـم إلى قتال “إخوتهم” في الدول المتدخّلة.

نفس الحلّ إذا ما توفّر في الدول العربية والإسلامية يؤدّي إلى نفس النتائج خاصةً إذا ما أغلقت السجون وسرّحت الملايين من رجال المخابرات الرّهيبة.

إنَّ العدالة ليسَ لها ألفُ باب بلْ بابٌ واحد وهو المساواة القانونية والفعلية في المواطنة وعلى الأرض.

هذا هو دور الدّولة التي هي بمثابة الأمّ للجميع ومن هنا لا نعود بحاجةٍ إلى البحث عن طرق دخول المتطوعين إلى سوريا أو إلى سواها.

بقي أن نقول إنَّ هذا العالم كي يعرف السلام عليه أن يغيّر ذهنيتهُ ويثور على نفسهِ ويقتنع أنَّ الشعوب لم تعد مواشي بشريةً مصيرها المسلخ يوصلها الجزارون الصغار إلى الجزارين الكبار.

بلدٌ كالعراق ذو أكبر إحتياطي عالمي في النفط تنزلقُ بلاينهُ على الرمال وتتبخر مع الرياح ولا يمّس الملايين فيه الملاليم. بلدٌ كسوريا كانَ يُطعمُ روما يشتري القمح كما يشتري الرصاص. دولٌ عربيةٌ كالعُصَب على سجاداتٍ آدمية من الملايين لا تقيم لها أدنى اعتبار.

وتسألون كيفَ تدخل داعش إلى البلاد كأنكم لم تكونوا أنتم المسالك والمداخل والأبواب وتسألون كأنّما ما تفعلهُ الأيدي لا تراه العيون. فاللهم صبرك وهدايتك يا أرحم الراحمين.