أبو الهول عندما يحلَّل

أحمد منصور

 كما غامر الزميل عبد البـاري عطـوان رئيس تحريـر “القدس العربي” بسفرهِ إلى أبن لادن في تورا بـورا (أفغانستان) للبحث عن الجديد… الأستاذ طلال سلمان الذي قد يكون الأبرز على السّاحة الصحافية حاليّاً في لبنان غادر بدوره نحو زميله الكبير الأسـتاذ محمد حسنين هيكل أبي الهول في الصحافة المصريّة الناطق ليكون معهُ وجهاً لوجه أمام شطّ اسكندرية الفيروزي الذي تغازلهُ وتعانقه الأجساد والأمواج بشتى أشكالها وألوانها ويحكي له البحر القريب والبعيد والأبعد من أصوات الحدثان والأزمان في البلدان… كل هذا في الوقت الذي تلتهب فيه شمس بعلبك فتمطر الدماء على الوعور والجرود وكذلك من جهة مقابلة تحاكيها الإنفجارات والنيران في سينا والعريش ومدينة المُعزّ وسواها…

طبعاً ابن شمسطار العريق ببراعته وكفاحهِ، منذُ الصيّاد وقبلها وبعدها حتى الاستشهاد ملّ من السّمك الصغير والضفادع وأراد الحنكليس والسومون في البحور…. وهل هناك أشهى من طبق أثمار البحر؟ من يد أبي الصحافة الأكبر ظلّ عبد الناصر ولسانه وغالباً مهندس أفكاره والذي ما زال بعد خمس وأربعين سنة سيد الشاشات والأوراق الصفراء والزرقاء والسوداء والبيضاء.

سنبدأ إلقاء نظرة هيكلية على هذا اللقاء

إن اختيار صفة شـامل للحوار أظنّ أنها ليست في محلّها إذ نحنُ أمام صحافي دائر – معارفيّ من أهم صحفيي العالم… غطّى قارّاته الخمس بحوالي قرنٍ من الزّمن. إنّكَ لا تستطيع أن تضع المحيط الهادي لا في غالون ولا في قارورة.

وأظن أن الحوار كان عَبْر دردشات واستعراضات دامت ساعات بين صحافيٍّ طامح دائماً إلى الأعلى وأستاذ عتيق. فهيكل عندما يبدأ الكلام لا يعرف أين ينتهي وكيف ينتهي… وأنا بذاتي كنت اقترحت على أستاذي في السّوربون استدعاءه لإلقاء محاضرة فأجابني أن هيكل أصبح ثرثاراً خصوصاً بعد خروجهِ من السّجن وقد يكون لهذا السبب لم يستدعهِ لأنَّ في الجامعات الأوروبيّة منهجيتهم التحديد والتحليل والمصادر الموثّقة. والصحافي ليسَ هو المؤرّخ ولئن حاول البعض منهم كفارسَي حوارنا هذا أن يكوناه.

والجميع يعرفون أنَّ شهادات هيكل الصحفيّة الحقيقيّة هي من تجاربِهِ وثقافتِهِ أكثر ممّا هي من شهاداته الجامعيّة. فالشهادة الورقيّة لا تضمن النجاح الصحافي ومعظم خريجي قسم الصحافة في مصر لم ينجحوا ميدانيّاً لأنَّ الصحافة فنّ.

هيكل وحده هاويًا مبتدئاً بين العمالقة في مصر ما عتّم؟ أن مسح الجميع الذين كانوا يتسابقون على اختطاف واستغلال ذكائه، وأصبح سيّد السّاحة بتحديث وعصرنة أكبر مؤسسة صحفيّة وهي “الأهرام” بل غدا مهندس الناصريّة غير المعلن والأعلم في الشرق الأوسط، وما كان بين يديه ما كان بين أيدي الآخرين.

عندما صادفتُ مرةً المرحوم غسان تويني في أحد فنادق بيروت حيّيتهٌُ قائلاً: أمن المعقول أن أرى من بعيد غسان تويني ولا أصافحه؟ أجابني بمكر: بس ما تعّرفنا على الأستاذ… فأجبته على الفور: غسان تويني! التاريخ ذاكرة والصحافة ذاكرة فمن فقد الذّاكرة فقد كلَّ شيء وأضفتُ: أنا أحيي فيكَ واحداً من الثنائي الصحافي الأعظم تويني – هيكل أجاب بغضب: أنت تقارنني بعميل المخابرات الأميريكة. أجبتُ: أنا أتكلّم عن الـدور والجـدارة “فأنتما قرنا القرن دون منازع”.

Pyramids-Egypt-6

حقائق على الأرض لا نستطيع تغييرها بل التعامل معها

هيكل يطلُّ من شرفة القرن على الآفاق، فكما يمتاز العالم بالجبال العالية فهو يمتاز بمفاصل ثابتة أو نقاط ارتكاز لا تجرفها الأحداث: كإيران ومصر وتركيا (إلى حدٍّ كبيرٍ) إنّها تمتلك عناصر البقاء والاستمرار الحضاري وتفرض نفسها على القوى الأخرى في العالم ويُحسب حسابها على صعيد السياسة العالميّة.

إنَّ إيران لا تفارقها روحها كدولة كبرى أو أمبراطوريّة وذلك بفضل اتحاد الفرس 40% والأذريين 30% والمذهب الشيعي 90%.

رغم توقيف دورها تاريخيّاً من قبل الفتح الإسلامي إلاّ أنّها سرعان ما استوعبته باعتناقه وبالمساهمة الأكبر في بناء الحضارة العربيْة الإسلاميّة على قواعد علميّة في مختلف المجالات.

إنَّ هذه الروح الإيرانية سرعان ما استفاقت بثورة مصدّق عام 1951 وقضاء الغرب الأنجلوساكسوني عليها. إلاّ أنها عادت بشكلٍ آخر مع الخميني عام 1979 الّتي قضت على الحكم الشهنشاهي: أضف إلى ذلك موضوعيّاً أنَّ إيران لم تنهزم في حربها مع العراق في أواخر القرن الماضي رغم مؤازرة العرب في (بإستثناء سوريا) والغرب هازئةً بالاحتواء والعقوبات، وامتدّت نفوذاً وأيديولوجيةً في أكثر من بلد في المنطقة: كأنها تقول: أنا هنا في المنطقة رقم أساسيّلا يُستغنى عنّي ولا سلام بدوني.

إيران الّتي كانت مسرحاً للنفوذين الانجليزي والروسي والأمريكي أصبحت الآن محاوراً للآخرين الكبار (5+1) ومنافساً بحكم موقعها وثروتها النفطيّة على الأخصّ.

لقد وصلت إلى البحور الدافئة بتكاليف أقلّ بكثير من الثمن الذي دفعته روسيا عبر أنظمتها ولا تزال.

ولذلك مدّ يده إليها الرئيس الراحل حافظ الأسد للوقوف أمام الراحل الآخر غريمه الرئيس صدّام حسين فاختلطت الأوراق وغدت الميكيافيليّة السياسية حصان الاثنين أمام العدوّ المشترك وأصبح قلب العروبة يجسّدُ دقّاً غير معتاد.

إنّ ثقة النظام بنفسه مكّنه من الوقوف أمام الجميع وعدم الخوف ممّا قاله ناتنياهو: “إتفاق جينيف خطأ تاريخي” وتنبيه كيري له ألاّ يلعب بالنار…

إنَّ الأستاذ هيكل واكب الثورة الإيرانية أيام مصدّق منذُ ستة عقود ونيّف والثورة الإسلاميّة مع الخميني عام 1979 وحاورَ الأخير من موقعهِ العربي. إنّهُ يرى أنَّ الإتفاق النووي بين أميركا وأيران لن يُنهي حالة الحرب بينهما، فلا أحد ينسى أن إيران احتلّت عسكريّاً إمارة عربستان (منطقة النفط) وخلعت أميرها العربي في أواخر الربع الأول من القرن العشرين كما أنها احتلت الجزر الثلاث الإماراتيّة في الربع الأخير من القرن الماضي واعتبرت أنّها في دورها الطبيعي التاريخي في وقتٍ تنازل فيه العرب عن دورهم وأصبحت الطريق مفتوحة أمامها من العراق إلى سوريا إلى غزّة إلى البحرين إلى اليمن إلى السودان… وأصبح لها نفوذ إعلامي “إمبراطوري” على صعيد الإعلام من خلال تمويلها الكثير من الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية في أكثر من بلد ناهيكَ عن إغداق السّلاح والمال وتكوين الميليشيات. فكيف إذا ما استردّت أنفاسها وأُفرج عن أكثر من 150 مليار دولار من أموالها المجمّدة في الغرب… هل ستكون عاقلةً كالملاك تحصي عدد السّفن التي تنطلق من وإلى الخليج؟… ألف كلاّ بالطّبع، رغمَ الإبتسامات البلاستيكية لوزير خارجيتها والآخرين من مسؤوليها. إنّها حرب حضاريّة إيديولوجيّة لا تنتهي في المنظور.

haykal

كيف يرى هيكل أوباما؟

يقول هيكل: “لا يمكن أن تأتي بأحد من خارج سياق القوى الحقيقية وتتوقّع منه أن يصل إلى التفرّد بالقرار. مجيء أوباما هو دليل بحد ذاتهِ على أزمة قرار وأزمة قوى بأميركا”.

فكما أتت القيادة السياسية العليا في الماضي بإسترآس ريغان الممثّل السينمائي قرّرت هذه المرّة إسترآس ممثلٍ آخر محامٍ أسود المطلوب منه إيقاف حملة الكراهية العالمية الصاعدة ضد أميركا سيما بعدَ ثماني سنوات من حكم أسوأ رئيس عرفتهُ أميركا. لقد أرادت أن توهم العالم بإحداث إنقلاب على المفاهيم والأصول في السياسة الأمريكية منذُ الحرب العالمية الثانية حيثُ كانَ العالم بأسرهِ يهلّل للجندي الأمريكي المحرّر ودولار “مارشال” المُصنّع والمُعمّر. الأسود يُصبح سيد أميركا ديمقراطياً فماذا يريد العالم أكثر؟ وكانَ على اوباما أن يطير من مدينةٍ إلى مدينة ومن قارةٍ إلى أخرى “ديموستيناً” آخر مبشّراً بالعهد الجديد بغسل أيدي واشنطن من الحروب، بإنسحابها من العراق وأفغانستان…

إنَّ الأمريكيين يستبسطون الناس فالممارسةُ إنْ لم ترافق الكلمة فإنّها تبقى فقاقيع صابون ولئن كانت ملوّنة.

لقد انتهت رئاسة أوباما الأولى دونَ تحقيق أي شيءٍ يُذكر ولم يبقَ إلاّ سنةٌ ونصف من الثانية التي لا يُريدها خاويةً. فلذلكَ تكمّشَ “بإتفاق جنيف النووي” مع إيران رغمَ أنَّ اللوبي الصهيونيّ حرمهُ من الأكثريةِ في مجلسيّ العموم والشيوخ، وكذلكَ سارعَ إلى الوصل مع كوبا المقاطَعة منذُ سبعة وخمسينَ عاماً والتي لأميركا فيها حتى الآن قاعدة غوانتنامو العسكرية.

الحرب بينَ أميركا وإيران إذنْ مستمرّة لكن ليسَ بوسائل تقليدية. كلُّ جانبٍ يرصُدُ الآخر ويتجنب مواجهة الآخر عسكريّاً، إلاّ أنَّ أميركا حالما تحينُ الفرصةَ المناسبةُ لا يمكن أن تترُكَ إيران لسواها بلْ ستتكمّش بها كما تتكمّش بالسعودية والخليج… ولا ننسَ مصر!؟

لا ثوابتَ نهائية في السياسة، فكلُّ شيءٍ يتحرك. كلُّ شيءٍ نسبيّ. وحدها عقول الجهلة هي التي لا تتحرّك.

لقد أوصى ماك آرثر قائد القوات الأمميّة في حرب كوريا بلادهُ أميركا بأنْ لا تخوض بعدَ الحرب الكورية أيةَ حربٍ بريّة أخرى في آسيا والغريب أن قيادة بلادهِ لم تسمعهُ ولم تعرف سوى الهزائم المخزية في فيتنام والعراق وأفغانستان ولبنان. الإستثناء الوحيد هو “جزيرة غرانادا” الصغيرة في أميركا الوسطى. رغمَ أن تشرشل قال: “إنَّ أميركا دائماً في الأخير تصل إلى الحلّ” وقد ردّدت هيلاري كلينتون كلامهُ كالببغاء دونَ أن تنسبهُ إليه.

هيكل يُعطي الإنطباع وكأنَّ إيران شعبٌ واحد متجانس متراصّ لا تؤثر فيهِ العقوبات الإقتصادية، والدليل أنَّ المفاوضات إستمرّت إثنتي عشرةَ سنةً أي أكثر من سنوات الحربين الكونيتين والنظام ما يزال. هذا فيهِ جانبٌ كبير من الصحة في نظام ٍدينيٍّ فولاذيّ ولكن بأي ثمن؟… لا حمائمَ في ديمقراطيات البنادق والمخابرات والزنازين.

إنَّ الشعوب هي الحركة وفي إيران أكثر من صوت وأكثر من جهة وعدة شعوب قومية أقلويّة، والشعوب لا تستطيع التحمّل إلى ما لا نهاية، فهي حبلى بالإنفجارات التي لا يعرف علماء الإجتماع مواعيدَ ولادتها بلْ يلهثونَ وراءها فيما بعد.

إيران بلاد السجاد العجمي والصبر الذي لا يستسلم، والثقة بالنفس (جرت معركة بحرية بينَ أميركا وإيران سُحقت فيها البحرية الإيرانية إلاّ أنّها لم تقبل على نفسها الإنكسار) فلذلك ليسَ سهلاً التعاطي معها من قِبَلْ أميركا كي تفرض عليها ما تُريد. لكنّها من جهةٍ أخرى موضوعيّاً هي حليف كبير للولايات المتحدة، فلولاها ما كانت عقود الأسلحة المستمرّة المتواصلة مع السعودية وحلفائها دول الخليج.

إنَّ عبقرية إيران تتجلّى بإعتناقها الإسلام الذي مسحَ أمبراطوريتها في السابق والآن ها هي تحمل لواءهُ وتدافع عنهُ بينما العرب أهلهُ يتشمّسون على الرمال (الفقراء منهم) وعلى الشواطىء اللازوردية (الأغنياء).

هيكل والبازار العربي

إنّهُ يعتبر مصر دولة نقطة إرتكاز رغم أنّها مشغولة حاليّاً ودورها عربياً معطّل بالفعل ولم يزد على ذلك، كأنّهُ لا يدري بأنَّ أميركا لا تُريد مصر محمد علي أخرى أو مصر ناصر ثانيةً.

أمّا الدول الأخرى كسوريا فيعتبر أنّها لم تكن مركزاً لدعم بؤر المقاومة في المنطقة.

إنَّ سوريا – في الواقع – مطلوبة من الجميع (فبدونها كما قال كيسنجر: لا سلم في المنطقة). نظراً لموقعها الحساس الإستراتيجي. والذي فرضَ وجودها على الأرض هو الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي كانَ معاويةَ عصرهِ المردّد بإستمرار لا أحد يُقرّر عن سوريا. سوريا وحدها هي التي تُقرّر. إنَّ سوريا كانت الغائبةِ الوحيدة الأشد حضوراً في مؤتمر القمة في بغداد أيام الرئيس صدّام حسين. “إنّها – كما قال لي أحد الزملاء العراقيين الذي غدا سفيراً – تعرف كيفَ تبيع سياسة” إنّها عبقرية المكان الذي يبحث عن معاوية آخر أكثر إنسانية وحافظ أكثر إنفتاحاً وأقل عنفاً وأكثر عدالةً. هيكل من أخبر الناس بسوريا. قد يكون تناساها وتجاهلها نظراً للمرارة التي ولّدتها لمصر ولعبد الناصر الذي ماتَ في يوم الإنفصال 28 أيلول. وهذا ما دفعهُ وليسَ كما قال هيكل: إلى مغامرتهِ في اليمن التي كانت سبب هزيمتهِ أمام إسرائيل في حرب حزيران 1967.

الخليج هو الأغنى. إلاّ أنّهُ بعدَ الحرب العراقية الكويتية اصبح كالهارب من إنتمائهِ العروبيّ والمغطّى بالعباءة الأمريكية والعباءة الفرنسية خوفاً من إيران وكذلك من أمّ الخليج: العربية السعودية.

كيف يرى هيكل حزب الله؟

إنّهُ برغم إعجابهِ بمقاومة حزب ألله وحبهِ للسيّد حسن نصرالله فإنّهُ بمنتهى الدبلوماسية واللياقة يخاطب في المطلق منبّهاً القريب والبعيد أنَّ السمعةَ الجيدةَ لا تؤمن الفرق الجرارة المقاتلةَ على الأرض، ويُضيف بلغة العارف محذراً وغيوراً ” لا تحمّلوا السيّد حسن نصرالله أكثر مما يُطيق “. وهذا يعني بكلّ بساطةٍ الدّور العسكري الذي يقوم بهِ الحزب فهو فوق طاقته في سوريا، وقد يكون أيضاً في العراق وغزّةَ واليمن…. إنّهُ يخشى في حروب الكبار القضاء على هذا الأنموذج الأمثل في حربهِ مع إسرائيل وتحرير الجنوب اللبناني المحتل. كي لا يجد نفسهُ في الطريق المسدود فالواجب أن نعرف كيفَ نحافظ على بقائهِ.

أمّا بالنسبةِ “للسعودية فهي تُهيمن على الخليج ولكنّها ترهّلت قبلَ أن تبلغ مرحلة الشباب. النظام السعودي غير قابل للبقاء. أمّا البدائل فلا بدائل ولا أحد عندهُ سلطة تخوّلهُ أن يكون البديل. هناكَ مشكلةٌ حقيقية. وهذا ما يُبقي السعودية. مُستنقع “. ويُضيف أن الأمراء السعوديين يُسيطرون على الجيش. السعودية غارقة في اليمن ولا تعرف كيف ستخرج منهُ. ما يجمع دول الخليج في المرحلة الحاضرة هو خوفهم من إيران وكأنّهم يتساوون مع إسرائيل.

عن المغرب العربي مرَّ بشكلٍ خاطف ولم يتوقف أمام تجربة تونس الوحيدة الواعدة التي أعطت نتائج إيجابية في الربيع العربي أولها صياغة دستور دولة مدنية علمانية وهذهِ ظاهرة هامّة في العالم العربي وقيامها بإنتخاباتٍ نيابية ورئاسية وإستصدار قانون يساوي المرأة بالرجل. ولم يمر على ذكر الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد ولا عن ليبيا ولا عن موريتانيا بلد المليون شاعر ولا عن معضلة البوليساريو. لقد شمَلَ الجميع بكلمة المغرب العربي الغرقان في مشاكلهِ والزهقان من المشرق العربي أمّا السودان فكان ذيل تهكمهِ على مصير المنطقة المظلم.

على أية حال سفير السفير الأستاذ طلال يعدُنا بقسم ٍآخر من الحديث يتناول مصر. إلاّ أنّني عندما قرأت التعليقات الكثيرة على الحوار التي معظمها لا تنمُّ عن ثقافة ولا عن كفاءة، فإنّني أجدني في منتهى الحزن والتشاؤم على ما يصيب منطقتنا التي كنا نحلم بإعادتها فرساً لشمس حضارية عربية في هذا الشرق.

Arab

كيف يرى هيكل المستقبل في المنطقة؟

إنَّ العرب – كما يرى – لا مصداقيةَ عندهم. إنّنا نحتاج بين 12 إلى 15 سنة كي ننهي الفوضى في العالم العربي ويرى أنَّ مصر مشغولة ولا يوجد تحالف عربي يمكن أن يحلّ محلّها في الدور الذي يمكن أن تلعبهُ. ويستطرد في مكانٍ آخر قائلا: “أنتَ أمام بلد ( مصر ) لا يزال يدّعي أنّهُ كويس وهو مفلس”. وأنا بدوري أُضيف أنَّ الأخبار الأخيرة عن مصر تنبىء بأزمةٍ أخلاقيةٍ خطيرة إذ يوجد حوالي مليون مثليّ من النساء والرجال ومصر التي تعشق الدّين تجد نفسها نظاماً في حرب مع الأخوة المسلمين وما شابه. هيكل يعتبر أن النقاط الإرتكازية في المنطقة هي مصر وإيران والباقي فسيفساء وما ينقص العرب هو الإرادة غير المتوفرة كالإرادةِ الألمانية بعدَ الحرب العالمية الثانية. في منطقهِ المبسّط مصر ستصلح المنطقة لكنّها مشغولة ولم يضع المبضع على الجرح ألا وهو إرادة أميركا بشلّ مصر لا بلْ بتقسيمها كي لا يكون هناك لا محمد علي ولا ناصر آخر. ويبقى للمنطقة بابان إسرائيل وإيران حيثُ ستفعل المستحيل كي تستردَّ الثانية وتشكّل مع تركيا كما في الماضي سدّاً أمامَ الدبّ الروسيّ المنطلق في ثورةٍ صناعيةٍ جديدة والذي يزخر بالموارد غير المحدودة، والروس لا يزالون يفاجؤون العالم. فقد بنى ماركس نظريتهُ على الثورةِ في البلدان الصناعية كألمانيا وأنكلترا وفرنسا. إلاّ أنَّ المفاجأة جاءت من موسكو المتخلّفة والتي انطلقت في ظلّ ستالين إلى ثورةٍ صناعيةٍ جبّارة.

الخطران الكبيران لأميركا هما روسيا وإيران والثاني هو الأقرب والأعقد فلكيّ فقط تثني إيران نفسها عن حصول القنبلة النووية تراها جرجرت الغرب اثني عشر عاماً وماذا ربحَ الغرب سوى تعهدٍ موقّعٍ بعدم إنجاز الباقي الذي قد يكون قد أُنْجِزَ من سنين. على فكرة في السنوات الأخيرة إيران كشفت عن وجود مفاعل نووي لها لا يعرف عنهُ الغرب شيئاً.

إنَّ إيران نَفَسُها طويل مصممة على لعب دورها كأكبر قوّة في المنطقة وممثلة للإسلام بكلِّ طيوفهِ وطوائفهِ. والسنوات القادمة هي التي ستكشف كلَّ ذلكَ.