إلى متى يستعذب العرب الدّمار ويستغيثون بالإستعمار؟

أحمد منصور

القارة العربية في توأميها: الآسيوي والإفريقي كونها قلب العالم القديم ومحور الدّور التاريخي الذي لعبته فيما مضى بظهور الإسلام وانتشاره في العالم بحيث يغطّي الآن ربع العالم بشرياً في قارّاته الخمس إذ يندر ألاّ تجد مسلماً في بلدٍ من أبناء عالمنا مهما صغر ومهما نأى.

هذا العالم العربي كما هو يتجسد فيه نقيضان: وجوده وعدمه في نفس الوقت. إنها وضعيّة تضعضع العقل ولا يصدّقها منطق.

ليت العربي يقتدي بالحصان رمز كبريائه وعنفوانه فلا يتناول إلاّ ما يلائمه وما تعودّ عليه، فلذلك لا يزال الجواد العربيّ سيد الساحة في السباقات والمباريات أينما كان لأنه لم يعرف الفساد والانخداع، بينما العربي كإنسان نراه ضحيّة التخمة المركبة أو فريسة الغذاء السيء والأمراض المتوالدة أو الجوع المزمن وإلاذلال المعُتّق والشخصية المُسطّحة التي يسهل دعسها ومعسها وتجاوزها…

العرب أصحاب البوصلة الواحدة الموحّدة فيما مضى أصبحوا أعراباً لهم دزّينتان من البوصلات، فالقِبلَةُ قِبَل والمدينة مدائن والقدس أقداس والحزب أحزاب والدين أديان والمذهب مذاهب بالعشرات (كأنهم البروتستانت) والبلد بُلدان. تقوم “وحدة او اتحاد” من هنا لتعارضها وحدةً او اتحاد من هناك، وتجمّع من هنالك ليعارضة “تجمّع آخر بالمقابل وكل ذلك في سيرك الشكليّات والوجاهات الخاوية.  المجلس الخليجي: مكانك راوح.  والمغرب العربي الكبير ايضاً، ووادي النيل في مجرى النيل، ناهيك عن البعث الذي نعف ونَعَثَ الشرق وما زال.  واللاعبان أميركا وإسرائيل يلعبان بالجميع بمهارة، وكذلك روسيا والصين وفرنسا وإنكلترا فينسّون العرب التاريخ فيفتح الأخيرون بسذاجة بلادهم قواعد لفرنسا نكايةً بإيران وحمايةً منها واحترازاً لقضم المزيد، وللولايات المتحدة أيضاً، ففي قطر أكبر قاعدة امريكية في الشرق الأوسط تقيها مطامع جارها العربي القويّ.  الأسلحة تتراكم في المستودعات وتتحطّم في المواجهات العبثية بين أبناء الأمة الواحدة في الوقت الذي تهدر فيه مصانع الأسلحة في الولايات المتحدة ويحافظ العمال على وظائفهم وكل ما هو نار في ازدهار….

flag

إذ تأجيج الحروب هو دينامو الغرب في العالم فالكيانات والإمارات والدول والأمبراطورية خبزها الحرب والحرب فقط.  فيكفينا فقط إلقاء نظرة على تطورّ الأحداث في عشرات السنين ومئاتها.  وهكذا يرى العرب أنفسهم يبيعون نفطهم وغازهم بالمجان ليزداد غنى الشركات الأمبريالية وشراء الأسلحة مقابل ذلك، كما ان على العرب ان يدمّر بعضهم البعض جيوشاً وتجمعّات وينثروا عمرانهم لتأتي شركات غربيّة تعيد إعادة تعمير الأقطار المدمرة بعماراتها ومتاحفها ومكتباتها وجوامعها وكنائسها وجامعاتها وآثارها بعد فقدان مئات الآلاف من الشباب قتلى وجرحى ومعوّقين.  وفي الوقت نفسه يصرخ الغرب عبر ألسنته الطويلة الفضائية والإذاعية والصحفية: أنّ هؤلاء العرب “الهمج” لا يريدون السماح لمساعداتنا الطبية والغذائية بالدخول لإنقاذ الجوعى والجرحى على عتبات الموت… إنّ القراصنة والميليشيات هم مصادرو الأدوية والأغذية… يا للسخرية والغباء! إنّها في الواقع لوحة سريالية يصعب تصديقها. أُناس يفتكون ببععضهم البعض من الناحية القبلية والقطرية الحزبية المذهبية، دون أيّة شفقة ودون أي اعتبار.

هذا الحزام العريض على خصر الكرة الأرضية من باكستان الى موريتانيا. جبهات منفصلة متصلة من القتل والذبح والإغتصاب والتكسير والتبوير، وكأنه القدر اليومي المقدّر إلى ما شاء الله الذي بعدما استهلك الكثير من أجيال الكبار، أخذ يستهلك الصغار الذين قامات البنادق عندهم أعلى من قاماتهم….

بعد مئة عام على سايكس بيكو نرى وبقدرة قادر كالكِما في الصحراء المترامية دولة داهش بقواها الصاعقة الماحقة التي تغطي أكثر من نصف العراق وسوريا رغم تحالف الـ 65 دولة وطيرانها ورغم مواجهة الجيش السوري والعراقي و….و…. وحزب الله وإيران… والدعم الروسي بالسلاح…

كابوس رهيب يعتمد على الإعدام بإخراج هوليودي متعدّد الألوان واستقدام المئات والآلاف من أوروبا وأميركا وسواهما من القارات شباناً وصبايا في عمر الورود. كيف تم ذلك الفصل السحري كيف؟

أجوبة ينتظرها الجميع، كذلك امركة السعودية عسكرياً وشنها حربها الجوية (العربية الإسلامية) لإيقاف الحوثيين وحلفائهم في اليمن “التعيس” كأنها حرب بين النسور المدّجنة والخرفان المستذئبة، بين السماء والأرض.

السنوات تمر والمدن تتساقط والآثار تتهاوى والرؤوس تتدحرج عن أكتافها…. ومن لم يمت بالرصاص مات بسبب قلّة الغذاء والمرض والاستنزاف.  لقد عرف الامريكيون وحلفاؤهم الدخول إلى أقطارنا من خلال الفسوخ التي تفصل بعضنا عن البعض الآخر، ومن خلال التاريخ الدموي الرهيب غالباً.  فالإسلام كان في البداية كمنام جميل… أما فيما بعد فكان غالباً على ما يشابه الكسرويّة والقيصريّة.

وكأن حكمة الرسول الأعظم التي اعتمدت على جنرال الزمن في أسلمة الناس انقلبت عليها الأزمان، فولّدت المدراس المتعددة باسمة في الحكم وفي فتح الصفحات الجديدة التي قلما كانت اصيلة.

أي إنسانٍ يعلم ان الحرب لا تنهيها سوى قدم الجندي او القنبلة النووية.  وبما أنّ، النووي غير وارد مبدئياً، فالحرب البرية تستلزم التنسيق مع الحرب الجوية ليتوفر الشرطان الاساسيان للنصر. فما معنى قرار مجلس الامن المبني على البند السابع بصدد اليمن الذي لم يسّير جندياً واحداً على الأرض؟

وما معنى هدير الطائرات وفرشها الذخائر بشكل عشوائي بحيث لا تؤدّي أغراضها في 75% من الحالات، نظراً لجهل الطيارين بطبيعة الأرض وتحديد الأهداف؟

ليس هناك إنسان يريد الحرب خاصة على الطريقة الأميركية ومقّلديها: طائرة من دون طيّار.  طائرات أباتشي وطائرات الفانتوم.  إنه المنطق المشوّه الأعرج الذي يستهدف بخبث تدمير المنطقة من أقصاها الى أقصاها لتحرثها وتزرعها كما تشاء بنفطها وغازها وسواها من المواد الأولية حسبما تراه مناسباً. بعدها يستفيق الدمار في عمارات من الجفصين والبلاستيك والكرتون المقوى بدل الرخام والحجر الأسود والأشقر والأبيض بعد ان تكون قد قضت على مختلف الأجيال المتواكبة.

لقد بدأت القوة العربية المشتركة تنتظم شيئاً فشيئاً إلا ان الهدف سيكون هو الاساس الذي تنطلق منه.

كما ان التنسيق الدائم بين دولها على الأرض يبقى الديدن الأساسي الدائم في مساحة اكبر من مساحة اوروبا يتربّص بها جيران اقوياء وكذلك قوى عظمى ليست بعيدة تترصّد حركات القتال لتعرف كيف تؤكّد حضورها في المنطقة.

قد تكون هذه المرحلة هي الاخطر في تاريخنا عسانا نكون على مستوى الاخطار وعسانا نريد ما يقتضيه العقل المسؤول والنظر السديد.