قدر اللبناني المحتوم أن يعيش بلا دولة!
وسام القاضي
5 يناير 2016
وطنٌ لا يكتب تاريخه بشكل سليم وواضح، بلد لا يعرف مبدأ العمل المؤسساتي، دولة لا تعتمد الكفاءة وسيلة لتوظيف مواطنيها، شعب لا يدرك معنى الإنتماء الوطني لأنه يفضل إنتماءه المذهبي في بلد تتداخل فيه سبعة عشر طائفة. إنها بالفعل كما أعطى الأستاذ كريم بقرادوني عنواناً لأحد كتبه “لعنة وطن”.
هي اللعنة التي تلاحق اللبناني في وطنه، لا يوجد رعاية رسمية شرعية للمواطن اللبناني وهو بالتالي متروك لقدره، ومع ذلك فالبلاد تسير بشكل طبيعي، دون رئيس للجمهورية، دون مجلس نيابي يشرع، ودون حكومة تقرر، وحده الجيش والقوى الأمنية باقية، لأنه تم التوافق بين الأطراف اللبنانية على الحفاظ على الإستقرار الأمني، وطبعا بإيحاء خارجي، ولولا ذلك لشهدنا الفلتان الأمني المستشري في أرجاء لبنان.
ينكرون أن الهدف من الأزمة التي تمر بها البلاد ليس من أجل مؤتمر تأسيسي، مع العلم أن مجريات الأحداث تشير وتؤكد أن التوافق على الأمور الأساسية في البلاد أصبح شبه مستحيل في ظل النظام القائم، من أصغر الأمور إلى أكبرها حيث هنالك خلاف في وجهات النظر، وهذا الخلاف لم يعد تبايناً في المواقف بل هو خلاف جذري كونه متصل بأكبر كتلتين من ناحية الديمغرافية والتي إنقسمت فيما بينها عامودياً وفق الإنقسام الحاصل في المنطقة، أي بين السنة والشيعة.
إن لبنان الذي مر في تاريخه عبر محطات وأزمات وحروب، لم يستطع الخروج منها بإقامة دولة متحضرة قادرة على تخطي الصعاب، بعكس ما حصل مع العديد من البلاد التي مرت بأزمات داخلية كبرى لكنها بنت دولا تهتم بواقع ومستقبل شعوبها. أما في لبنان فإقتسام الجبنة هو الحال لإعطاء كل طائفة ما تطالب به، ولا يوجد فريق يسأل عن حصة الدولة، لأنه من الطبيعي أن تستمر بعض الأطراف في الوجود طالما تأكل حصتها من الجبنة على حساب صحة المواطن ومعيشته.
فالدولة هي بالأساس مجموع القيادات السياسية التي تعنى بشأن البلاد، وإذا كانت تلك القيادات على مر عقود من الزمن لم تتوافق على كتابة تاريخ البلاد بكل واقعية وشفافية فكيف لها أن تكتب حاضره ومستقبله. والإنتماء الوطني مرتبط بتعلم الأجيال من كتب التاريخ، فالمواطن الذي لا يقرأ في كتاب يؤرخ موطنه كيف له أن يدرك إرث الأباء والأجداد ونضالات الرجال الشرفاء، كيف له أن يحترم القيم والمبادىء وما له من حقوق وما عليه من واجبات.
لهذا أصبح العيش في كنف دولة بكل ما للكلمة من معنى هو وهم، وإذا كان هنالك من حلم فقد ببدته القوى السياسية التي تعنى بشأن البلاد، لأن حلمها يتناقض كليا مع حلم المواطن الطامح لأن يعيش في بلد ينعم بالماء والكهرباء، في بلد يعتمد الكفاءة لا المحسوبيات، في بلد يؤمن الدارسة والإستشفاء، في بلد يحاسب فيه المخطىء ويكافأ فيه المستقيم.
أن نعيش في وطن اللادولة هو قدر اللبناني المحتوم، أقله في المدى المنظور.