الرقص على حافة الهاوية 

وسام القاضي

لم يشهد لبنان أزمة إقتصادية وضائقة معيشية كما يعيشها اللبنانيون في أيامنا هذه، حيث أن الركود أصاب جميع القطاعات دون إستثناء، فحتى خلال حرب السنتين 1975 – 1976 مرورا بكافة الحروب المتنقلة والمتنوعة كانت السيولة متوفرة عند غالبية الشعب اللبناني، على خلاف ما نشهده اليوم، والمؤسف أن القوى السياسية الحاكمة في هذا البلد لا تكترث لهذه الواقعة بل تعمد إلى زيادة العبء عبر المواقف التي تتخذها في سياساتها وممارساتها الداخلية و الخارجية غير عابئة بالنتائج السلبية على الإقتصاد اللبناني.

في المجال الداخلي ما زالت الأمور تدور حول نقطة واحدة وهي قانون الإنتخاب حيث أصبح جليا أن حزب الله يعمل على هدف واحد وهو جعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة وفق النسبية كونه يمتلك أكبر كتلة شعبية ناخبة تحت مقولة التكليف الشرعي الذي يلجأ إليه لحث جمهوره على تبني خياراته، وبالتالي يستطيع حينذاك أن يمسك بالدولة اللبنانية عبر مؤسساتها الدستورية بعد أن لمس صعوبة الإمساك بالبلد عبر قدراته العسكرية المباشرة، مع العلم أنه لديه أذرع في كافة إدارات الدولة وقنواتها.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، فإن سياسة الكراهية والحقد التي ينتهجها حزب الله تجاه دول الخليج بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص تؤثر مباشرة على الناحية الإستثمارية للمال الخليجي في لبنان، إضافة للتأثير السلبي لحرب اليمن على الإقتصاد الخليجي والذي شكل حالة تقشف إقتصادية داخلية لدول الخليج، وكما هو معلوم فإن لبنان منذ عهود طويلة يعتمد إقتصاده بالدرجة الأولى على الإستثمارات الخليجية فيه.

وفي المقلب السوري بدأ ينحسر النفوذ الإيراني ومن خلاله دور حزب الله بعد أن دخلت الولايات المتحدة الأميركية على الأرض بالتنسيق مع روسيا لتقاسم النفوذ على الأرض وتقسيم المناطق بين الرايتين الأميركية والروسية.

فأمام هذا المشهد المتغير تأتي التهديدات الإسرائيلية لتزيد القلق والخوف على هذا البلد المتصدع، فلا الشعب قادر على الصمود ولا الوضع الإقتصادي يتحمل الإنهيار والدولة عاجزة عن المواجهة وبالتالي أي مغامرة محتملة ستقضي على لبنان نهائيا، فإذا كان عدوان 2006 قد أدى إلى تشكيل مجموعة دولية لإعمار لبنان، فإن أي حرب قادمة لن تجد من ينقذ ما تبقى من الوطن، إذ أن العالم كله تغير تحت شعار محاربة الإرهاب، وإقتصاد الدول لم يعد كما كان مزدهرا في السابق. فلتتحكم الواقعية بعقول البعض، إذ إن المعادلات العسكرية لا تحسب بعدد الصواريخ والدقة في الإصابة، بل بالقدرة التدميرية لكل طرف، وطبيعي أن من يمتلك سلاح الجو يتحكم بمسار المعارك والدمار، ويجب التفريق بين دولة قادرة على تحمل أوزار الحرب ودولة عاجزة حتى عن تأمين مقومات الصمود لشعبها.

إذا لم تكن القوى السياسية تحسن قراءة هذه الصورة فإنها كمن يرقص على حافة الهاوية، حيث كل فريق يرقص على أنغامه، والأنغام جميعها بعيدة عن أنغام الوطن، صحيح أن التفاهم الحالي بين رئيسي الجمهورية والحكومة يتمحور حول النقاط اللاخلافية، ولكن هكذا حكم لا يمكن أن يبني دولة قادرة على مواجهة التحديات، بل يبني دولة تقطع الوقت وتدير الأزمات ولا تحلها.

المطلوب من القوى السياسية أن تترفع عن الحسابات الضيقة وعن قصر النظر في حل الأزمات المتلاحقة، والسير قدما نحو بناء دولة تبسط سيادتها وينتمي أبناؤها إليها وليس لأي ملجأ آخر. وعليهم إرجاع ثقة المواطن بوطنه وهذا لا يأتي من خلال الرقص على شفير الهاوية كما يفعلون حاليا بلبنان.

(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية 

 

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟