حربٌ باردة بحُلَة جديدة!
وسام القاضي
11 أكتوبر 2015
لم يبرح من مخيلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدور الريادي الذي لعبه زعماء الكرملين إبان عصر الإتحاد السوفياتي، وربما لم يبرح من مخيلته دور القياصرة الروس قبل ثورة أكتوبر الإشتراكية، وبالتالي ما زال يعمل من أجل إعادة المجد الذي فقد بعد البريسترويكا الذي قادها آخر القادة السوفيات ميخائيل غورباتشوف.
وبما أن الولايات المتحدة الأميركية إنفردت بالتحكم بالمفاصل الأساسية في العالم بعد إنكفاء نجمة الإتحاد السوفياتي الحمراء، وتحديدا بعد إنتهاء الحرب الباردة مع سقوط جدار برلين، فكان لا بد لبوتين وهو الآتي من جهاز المخابرات الروسية، والذي قبض على السلطة بشكل مسرحي حين تبادل رئاسة البلاد ورئاسة الحكومة مع ديمتري مدفيديف، من خلال سابقة سلطوية ديكتاتورية لم يشهد التاريخ مثيلا لها، فكان لا بد له من أن يعيد أقله جزء من الدور والموقع الذي لعبته بلاده في السابق.
وأمام هذا الواقع، أعيد إحياء الحرب الباردة لكن هذه المرة ليس في أوروبا بين الألمانيتين، ولا في الشرق الأقصى بين الكوريتين وليس في أميركا مع كوبا، بل في فوهة بركان الشرق الأوسط، هذا المكان الذي فتكت فيه كافة أنواع المؤامرات من أجل السيطرة عليه وعلى ثرواته الطبيعية، وأهمها النفطية.
من الطبيعي أن يكون لبوتين حساباته الروسية الخاصة حين قرر الإنخراط عسكريا في الأزمة السورية، لكنه لم يعد قراءة الواقعة التاريخية التي أدت إلى فشل أسلافه السوفيات في أفغانستان، وبالتالي فإن الحرب الإستباقية لها إرتدادت خطيرة خاصة وأنها تصيب العالم الإسلامي بشقه السني، وهو الأكثر إنتشارا وعددا في العالم. وإذا كان يريد رد الضربة الغربية عليه في أوكرانيا، فإن الواقع الأوكراني يختلف كليا عن الواقع الإسلامي، ومفاعيل الحرب الباردة في الشرق الأوسط تختلف كليا عن واقعها في شتى أصقاع العالم.
من هنا، فإنه من المبكر جداً أن يعتلي البعض المنابر الخطابية ليتحدث عن سوريا جديدة، أو عن إنهاء الصراع في سوريا لمصلحة النظام، فمع هذه المعمعة الواسعة والضوضاء المتنوعة على الساحة السورية لم يعد هناك مصداقية لما يسمى بالوعود الصادقة، وأكبر دليل على ذلك أن النظام السوري وإيران وحزب الله فشلوا في حسم المعركة في سوريا، والإستعانة بالروس أتى من هذا المنطلق، لكن منطق الحروب أثبت أن الطيران والصواريخ العابرة للقارات لا تحسم المعركة على الأرض، بالرغم من فعاليتها بالتدمير الشامل، وما زال العنصر البشري على الأرض هو المتفوق بحسم المعركة.
إن كافة المعطيات تشير إلى أننا دخلنا فعليا بالحرب الباردة الجديدة بين الشرق والغرب، ولكن المتغير الأساسي هو أن حلف الأطلسي توسع ليشمل شرقي أوروبا أما حلف وارسو فإنتهى واستعيض عنه بحلف طهران، والمفارقة الأساسية أن تاريخ الروس في قمع حركات الشعوب المعارضة للأنظمة الحاكمة هو تاريخ فاشل منذ ربيع براغ ومن ثم مع حركة التضامن في بولندا مرورا بالشيشان وأفغانستان مع حكم نجيب الله وصولا إلى أوكرانيا، والتاريخ أثبت أن الحسم بالآلة العسكرية لا يدوم لأنه يولد الحقد والكراهية وتدفع بالثأر بطرق أخطرها الأصولي. وعليه فإن القضاء على التطرف يجب أن يتمحور على أسباب إنبعاثه وليس بضربه بقوة، وأسباب التطرف برزت مع أنظمة حاكمة ظالمة من خلال عناصر أدت إلى تدمير كل معالم الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وتبقى العبرة لمن إعتبر.