الحراك… ما له وما عليه

جليل الهاشم (المستقبل)

بمعزل عن الملاحظات العديدة والجوهرية المسجلة بحق ما يجري في الشارع، يمكن القول إن الحراك المدني نجح منذ انطلاقته في صناعة معطيات جديدة، كان أبرزها إرباك الطبقة السياسية التي تخبطت في التعامل مع انتفاضة الشارع منذ بداياتها.

بعض السياسيين حاول ركوب الموجة في البداية، لكنه سرعان ما ترجل من القطار. بعضهم الآخر بارك الشعارات المحقة مع تحفظ واعتراض على أسلوب تحقيقها. قسم طالب باستعادة امتياز المطالب المسجلة باسمه، وآخر راح يحمل المسؤولية لهذا أو ذاك عما آلت اليه الامور. وسرعان ما اجتمع معظمهم على فكرة الانقضاض على الحراك، وربطه بأجندات أو بسفارات أو دول، وعبر اختراق المتظاهرين بمجموعة منظمة من «المندسّين».

ويلفت نقابي عتيق متابع للحراك وحيثياته بدقة الى أن «الحراك كسر الحواجز النفسية والمحرمات السياسية التي كانت تكبّل المواطنين وتمنح نوعاً من الحصانة للسلطة وأهلها. فجأة، اقتحمت أولويات الناس وهمومهم جدول أعمال المسؤولين، حتى طغت على الشغور الرئاسي، وأحياناً عن أزمة النفايات التي كانت الشرارة في تدحرج كرة الثلج، التي حتى اليوم لم تجد راسية تستوي عليها.

ويضيف: «عملياً، نجح الحراك حتى اليوم في إجبار الطبقة السياسية على عقد طاولة حوار، عجزت عن تظهير ابتسامة ولو مصطنعة على وجوه الحاضرين. كما نجح في مقاربة لا مركزية لملف النفايات وإحالة معالجته على البلديات وتحرير أموال الأخيرة، وكذلك إجبار مقاطعي جلسة مجلس الوزراء على حضور جلسة استثنائية، وإقرار معالجة الملف، وقطع الطريق أمام الابتزاز الطويل في ربط هذا الملف بملف التعيينات العسكرية. ويمكن القول إنه فتح نافذة على عناوين إصلاحية ومنها الفساد«.

ويتابع: «في الوقت عينه، وقع الحراك في السلبيات وسبب ريبة مشروعة من حيث يدري أو لا يدري، إذ لم تنتفِ الصفة المصلحيّة عن الحراك المطلبي. بعض من المنظّمين أثبتوا شعبويّة أفكارهم، وبيّنوا عن فكرهم الإلغائي الذي لا يبني أوطاناً، رفضوا المحازب والطائفي… طيب. لكن أن يمطروا بتعليقاتهم السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي وبطريقة ممنهجة، إعلاميين مشهوداً لهم بفكرهم التغييري حين أضاء هؤلاء على السلبيات وأضاؤوا وحذروا، لهو أمر لا يطمئن. حتى الحوار مع الرئيس تمام سلام رفضوه. أرادوا احتكار الشارع. تعدّدت المطالب وبقيت النفايات مكدّسة، تدحرجت من كونها مطلبيّة إلى أفق اللامعقول«.

ويردف: «فجأة، نبتت «المنظّمات« كالفطر. وباتت الشاشات تتنافس على استقطاب ما يقرب من الـ10452 خبيراً بيئياً. «الشعب يريد إسقاط النظام» أخافت الناس من ربيع لبناني أسود. فإسقاط النظام الطائفي وربطه بالعلمانيّة لا الدولة المدنية أمر كبير، وتعميم الفساد أراح الفاسدين الفعليين وأثار امتعاض الشرفاء ممن لم يلوثوا أياديهم بالمال العامّ.

بعض الإعلام اللبناني لم يقف محايداً، بمعنى أنه ربما قام بأكثر من الدور المطلوب منه، بل ظنّ بعضه أنه سيلعب الدور نفسه الذي قامت به محطّات عربيّة في ثورات الربيع العربي. جيّش الإعلام الناس المظلومين وهذا حق وواجب، لكن لأهداف مصلحيّة، ونجح في تحريض كثيرين ضد مؤسسات الدولة وأشخاصها، مما أتاح التعرض بسهولة للممتلكات العامة وقوى الأمن«.

ويوضح: «صحيح ان رجال الأمن ينفذون الأوامر… مرة بالروية ومرة بالعنف وأحياناً بالمفرط منه. وصحيح أيضاً أن الحراك المدني يحمل وجعاً كبيراً وسط فساد مرعب. إلا أنه في الوقت عينه، بعض الحراك مسالم وصادق وبعضه الآخر يحمل حلم هدم الهيكل على من فيه. الأخطر أولئك الذين يوجهون رسائل سياسية ضد… سياسيين ومن يملكون أجندات أمنية«.

ويكمل: «نعم، بعض الطبقة السياسية فاسد، لكن التعميم ليس في محله«. ويسأل: «وهل فساد الطبقة السياسية يتجلى للحراك المدني في رجل الأمن؟! ماذا عن كتابة عبارات مسيئة وغير أخلاقية تخدش الحياء العام؟! فهل يجوز تعميم الفساد على كل الحراك المدني؟ بالطبع لا… وأصلاً لا تجوز المقارنة. لكن، أليس من المحرمات على المتظاهرين المس بشخصيات محددة؟! أليس ممنوع عليهم مقاربة موضوع السلاح؟!«.

ويلفت الى أن «المواطن موجوع. هو ابن هذه الأكثرية الصامتة التي شبعت ذلاً وانتهاكاً لحقوقها من الدولة والزعماء. هو المواطن عينه الذي يرى ان البلاد ما عادت تتحمل شللاً أكثر مما هو حاصل. وهو عينه الذي يسأل: ألا يمكن الحراك والضغط إلا من خلال قطع الطرق يومياً؟ فمن يدفع ثمن هذه التحركات ليست الدولة أو الزعماء، بل الشعب الذي يعمل يومياً في العاصمة والذي يشل عمله وتقطع الطرق أمامه يومياً، وإعدام البلاد والحياة الاقتصادية في لبنان ليس بالحل الصائب« .

إنه المواطن الذي لا يسمح لنفسه بتقويم الحراك المدني اليوم بعد تراجع حجمه، بل يدعو الى مقاربة الأسباب التي أدت إلى هذا الأمر من قبل المنظمين. إنه المواطن الذي ينظر الى هذا الحراك على انه باب أمل ومسار. القيمون عليه يجب إلا يفوتوا الواقعية في تعاطيهم. يجب ألا يتحولوا الى اداة سياسية، وهناك محاولات عدة جرت في هذا المجال. وأقصى التمني أن يبقى هذا الحراك مساحة للتعبير الحر واداة ضغط تكبر وتكبر… وصولاً الى المسار الدستوري المطلوب… للتغيير، فيضيء هذا التجمع الوطني والحراك الشعبي صفحة في تاريخ لبنان السياسي والوطني، كتبها شبّان وشابات يستحقون لبنانهم، ويزرعون أملاً وثقة بمستقبل ننتظره جميعاً.

اقرأ أيضاً بقلم جليل الهاشم (المستقبل)

الهادئ.. المتواضع.. المقنع

خيارات المسيحيين.. ما بعد بعد انتخاب عون

عن خطايا وأخطاء الثنائي المسيحي.. بلدياً

إهدن وبشري .. ووصايا مار مارون

إلى أين يقودنا الجنرال؟!

انقسام مسيحي على الأولويات

«اسمحلنا بالشارع».. قالت الكنيسة للجنرال

هل يقبل «الجنرال» برئاسة «الحكيم» إذا «خذلته» الاستطلاعات؟

الفاتيكان وروسيا وفرنسا على خط الرئاسة

قراءة مسيحية في «إعلان النيّات»

مراجعة للنبض المسيحي تجاه رفيق الحريري

«وصيّتي إلى الموارنة».. لبنان بين الروحي والوطني

بكركي تؤكد موقعها الوطني

شروط الجنرال لتسهيل التمديد والتشكيل: “الطاقة” وقيادة الجيش

انتخابات المتن… اللعبة التقليدية “تقيّد” تشكيل اللوائح

آخر استطلاعات البترون: 14 آذار أولاً