بكركي تؤكد موقعها الوطني

جليل الهاشم (المستقبل)

أعادت الكنيسة المارونية تأكيد تموضعها في الحياة اللبنانية من زاوية شكلت مفاجأة لكثيرين من المتعاطين في الشأن العام، فأثارت في المذكرة التي أعلنتها أول من أمس جدلاً سياسياً اختلفت ردود الفعل عليها بين من سارع الى التأييد والإشادة، الرئيس سعد الحريري كان أول المرحبين، ومن ثم النائب ستريدا جعجع، في حين التزمت قوى الثامن من آذار الصمت، بل عكست وسائل إعلام هذه القوى امتعاضاً من المذكرة، في حين لم يصدر عن “تيار الإصلاح والتغيير” أي موقف من المذكرة.

أبرز ما تناولته المذكرة الكنسية، كان إعادة تأكيد “الهوية السياسية”، بوصفها بديلاً عن الهوية الدينية، والتي جاءت في الصفحة الثانية من المذكرة، تحت عنوان “العيش المشترك”، حيث استعادت الكنيسة المارونية ما كان أعلنه البطريرك الياس الحويك، مؤسس دولة لبنان الكبير، قبل حوالى مئة عام، أمام رئيس حكومة فرنسا، حين خاطبه قائلاً: “اسمحوا لي (…) بأن ألفت انتباهكم، إلى هذه الميزة التي تكشف عن تطور عميق عظيم التبعات، وهي الأولى في الشرق، التي تُحل الوطنية السياسية محل الوطنية الدينية، وبحكم هذا الواقع ينعم لبنان بطابع خاص بشخصية يحرص على الحفاظ عليها قبل كل شيء، إنه لا يستطيع وفقاً لمصلحة الحضارة نفسها، أن يضحي بها لأي اعتبار مادي”.

يؤكد المطارنة الموارنة في حديثهم عن الوطنية السياسية في هذه اللحظة التاريخية بالذات، فرادة الكنيسة المارونية في صياغة مفهوم المواطنية اللبنانية، في زمن تتفلت فيه النزعة الى المواطنية الدينية على غالبية مكونات المجتمع اللبناني والمجتمعات العربية على السواء.

ليست المرة الأولى التي تنتفض فيها الكنيسة المارونية لصالح المصلحة الوطنية، فتخرج من هواجسها وتحدياتها وتطل على الواقع اللبناني الجامع كما فعلت عند تأسيس “دولة لبنان الكبير”، ويوم انتزع اللبنانيون استقلالهم من الفرنسيين عام 1943، كما بادرت أيضاً في السياق نفسه عام 1958، مع البطريرك بولس المعوشي، وفي بداية الحرب اللبنانية عام 1975، وهي أعادت تأكيد كل مواقفها في البيان – النداء، الذي أطلقه البطريرك مار نصرالله صفير، وراجعت مسيرتها الدينية والوطنية في سياق انعقاد مجمعها البطريركي ما بين عامي 2003 و2006، وفعلت ذلك أيضاً العام 2009 حين أصدرت “شرعة العمل السياسي”.

المذكرة كما جاءت، شكّلت صدى لمقررات المجمع البطريركي الثاني، الذي يرسم سياسات ومواقف الكنيسة لعقود من الزمن، وتخضع قراراته للمراجعة في مجامع بطريركية من دون سواها، حيث أكد الأساقفة الموارنة في مجمعهم الثاني مبدأ الدولة المدنية، وجاءت المذكرة لتوضح هذا المبدأ من خلال طرح أولوية المواطنية السياسية على المواطنية الدينية. ومن أجل تكريس أولوية الهوية الوطنية كما جاءت في المذكرة، طالب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بحياد لبنان حيث إن أبرز ما جاء في المذكرة هو تبنّيها لمبدأ الحياد. وهي المرة الأولى التي يكون فيها الحياد عنواناً رئيساً في وثيقة صادرة عن الكنيسة المارونية، كرّست الحياد بوصفه من الثوابت وشرطاً وجودياً لفكرة لبنان وأساساً لقيام دولة لبنانية.

المذكرة أكدت أيضاً حصرية السلاح في يد الشرعية اللبنانية من خلال التأكيد أن الالتزام الجدي ببناء الدولة العادلة والقادرة يقضي حصر القوة العسكرية في يد الشرعية، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني.

مذكرة الكنيسة المارونية أكدت أيضاً ثوابت وطنية لم تخرج عليها الكنيسة يوماً من خلال المطالبة بقانون جديد للانتخابات النيابية وتبنّي إعلان بعبدا، واستكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وسد الثغرات التي نتجت عن تطبيقها.

اقرأ أيضاً بقلم جليل الهاشم (المستقبل)

الهادئ.. المتواضع.. المقنع

خيارات المسيحيين.. ما بعد بعد انتخاب عون

عن خطايا وأخطاء الثنائي المسيحي.. بلدياً

إهدن وبشري .. ووصايا مار مارون

الحراك… ما له وما عليه

إلى أين يقودنا الجنرال؟!

انقسام مسيحي على الأولويات

«اسمحلنا بالشارع».. قالت الكنيسة للجنرال

هل يقبل «الجنرال» برئاسة «الحكيم» إذا «خذلته» الاستطلاعات؟

الفاتيكان وروسيا وفرنسا على خط الرئاسة

قراءة مسيحية في «إعلان النيّات»

مراجعة للنبض المسيحي تجاه رفيق الحريري

«وصيّتي إلى الموارنة».. لبنان بين الروحي والوطني

شروط الجنرال لتسهيل التمديد والتشكيل: “الطاقة” وقيادة الجيش

انتخابات المتن… اللعبة التقليدية “تقيّد” تشكيل اللوائح

آخر استطلاعات البترون: 14 آذار أولاً