عندما تتوقف الدولة عن كتابة تاريخ بلادها!

وسام القاضي

جرى نقاش بين طالب في المرحلة الثانوية يدرس في كتاب التاريخ وفق منهج البكالوريا اللبنانية وطالبة درست في كتاب التاريخ وفق منهج البكالوريا الفرنسية، وطبعا الطالبان يدرسان في لبنان ولكن في مدرستين مختلفتين، وتبين من خلال النقاش أن الطالب درس التاريخ منذ عهد الحضارات التي مرت على المنطقة وما تبعها مرورا بالحربين العالميتين وصولا إلى عهد الإستقلال حيث أقفل باب التاريخ على هذه المحطة، بينما درست الطالبة وفق المنهج الفرنسي كل ما دار منذ عهد الحضارات وحتى يومنا هذا، وليس على صعيد لبنان فحسب، بل على صعيد العالم بأسره.

فكيف يمكن لجيل ما بعد الحرب أن يعلم ما حدث أقله في بلاده، وكيف يمكن لزميل له من موطنه أن يتعلم ما لم يتعلمه، وما الضرر في كتابة التاريخ كما هو دون زيادة أو نقصان؟ وطبعاً تأتي الحجة دائماً من البعض أن لا توافق على كتابة التاريخ، والسؤال البديهي الذي لا بد من طرحه، على ماذا يختلفون، هل المطلوب أن يضع المؤرخون آرائهم أم المطلوب ذكر الأحداث كما هي؟

جميع اللبنانيين يعلمون جيدا تاريخ بلادهم، فالأجداد تحدثوا عن الماضي والآباء عاصروا الأحداث والأبناء يعيشون الأزمة، فأي تاريخ يحاولون إخفائه؟

لا أحد يستطيع إنكار الأحداث أو محوها، فعلى سبيل المثال هناك حقيقة تاريخية تتعلق بتحالف ثاني رئيس للجمهورية بعد الإستقلال كميل شمعون مع الغرب وإنضمامه لحلف بغداد، ومنظمة التحرير الفلسطينية وجدت في الساحة اللبنانية بعد نكسة 1967 موطىء قدم لعملياتها العسكرية ضد إسرائيل، والحركة الوطنية التي كانت تمثل اليسار اللبناني بزعامة كمال جنبلاط تحالفت معها، بينما الجبهة اللبنانية التي كانت تمثل اليمين اللبناني بزعامة كميل شمعون تحالفت مع سوريا أولا ثم إنقلبت عليها وتحالفت مع إسرائيل لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982. وسوريا دخلت إلى لبنان عام 1976 بتكليف أميركي وغطاء عربي وموافقة إسرائيلية، وكان نهر الأولي هو الخط الأحمر لهذا الإنتشار.

وهل نستطيع إنكار أن بشير الجميل كان رئيسا للجمهورية ولم يقسم اليمين بسبب إغتياله، وأنه إنتخب بحماية الدبابات الإسرائيلية، وهل نستطيع إنكار أن الياس سركيس وصل إلى سدة الرئاسة بحماية الدبابات السورية؟

هل نستطيع إنكار أن كمال جنبلاط كان على خلاف مع النظام السوري، وهل نستطيع إنكار أن رفيق الحريري كان على خلاف مع النظام السوري؟

هل نستطيع إخفاء ظاهرة سعد حداد عام 1978 والذي إنشق عن الجيش اللبناني وتحالف مع الجيش الإسرائيلي وأنشأ جيش لبنان الجنوبي على الشريط الحدودي؟

هل نستطيع إنكار أن تيار المستقبل هو متحالف كليا مع المملكة العربية السعودية ويتلقى الدعم المالي منها، وأن حزب الله متحالف كليا مع الجمهورية الإسلامية في إيران ويتلقى الدعم المالي منها؟

كل ما ذكر هو غيض من فيض، وأي مرحلة من مراحل تاريخ لبنان يريدون محوها أو نكرانها، فكلها مسجلة في ذاكرة اللبنانيين ولا ينقص سوى كتابتها على صفحات الكتب دون زيادة أو نقصان، وليحتفظ المؤرخون ومن ورائهم الأطراف السياسية بآرائهم وتعليقاتهم لأنفسهم، وليتركوا حكم التاريخ للأجيال القادمة، وليعلموا جيدا أن ما كتب قد كتب في الذاكرة ومن المستحيل محوها، وإن كانوا صادقين مع أنفسهم عليهم الضغط لكتابة تاريخ لبنان المعاصر كما هو ليتمكنوا من قراءته جيداً لأخذ العبر وبناء مستقبل رائد لوطنهم، وذلك إن كانوا صادقين أقله مع أنفسهم.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار