الموحدون الدروز أبعد ما يكون عن مشروع الدويلات

وسام القاضي

يعود الحديث مجدداً، مع كل حقبة من حقبات التاريخ الحديث، حول موضوع تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية، وهذا الحديث ليس حديثاً عابراً أو آتياً من الخيال، بل هو مرتكز على مخططات وضعت ودرست في بعض الغرف الاستخباراتية الدولية والتي ترسم معالم سياسات دولها لعشرات السنين إلى الأمام.

لقد كانت باكورة هذا المشروع صدور وعد بلفور عام 1917 الذي أعطى وعدا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان هذا الوعد أول مدماك في مخطط إنشاء دويلات طائفية ومذهبية. وما يحدث اليوم من صراعات ونزاعات ضمن الدولة الواحدة بين مجموعات تختلف عن بعضها وفق الإنتماء المذهبي هو نتاج لتلك السياسات والمخططات.

 ومن ضمن ما يحكى من تسميات للدويلات الطائفية يتم ذكر الدولة الدرزية، والتي بنظر بعض المحللين ستشمل جزءا من لبنان وجزءا من سوريا وجزءا من فلسطين، مستندين في نظرياتهم على المواقع الجغرافية لتواجد طائفة الموحدين الدروز.

وفي خضم هذا المشروع التفتيتي للمنطقة والذي أخذ زخما من قبل وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر في مطلع السبعينيات، فإن الوقائع التاريخية تؤكد وتثبت أن الموحدين الدروز لم يسيروا مطلقا بأي مشروع يستهدف بناء كيان خاص لهم، منذ زمن الإمارات التنوخية والمعنية والشهابية وحتى يومنا هذا، وعلى سبيل المثال فإن الأمير فخرالدين الثاني المعني عمل على بناء دولة جبل لبنان ليس للدروز وحدهم بل مع شركائهم من المسيحيين في الجبل، والتاريخ يشهد على محاولات الفرنسيين لإقناع سلطان باشا الأطرش بإقامة دولة درزية عام 1925 لكنه رفض، وقد حاول الأردنيون إقناعه بالإنضمام إلى الأردن وقد رفض، وكان شعاره وهدفه الدائم، البقاء ضمن حدود سوريا، وقاد الثورة الكبرى مع كوكبة من الوطنيين السوريين من مختلف الانتماءات ضد الانتداب الفرنسي.

Druze

 أما كمال جنبلاط فوضع نصب عينيه تطوير النظام اللبناني وإصلاحه، وقد عمل على القضايا القومية العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، وبالتالي إختار العروبة كإنتماء طبيعي وليس التقوقع ضمن الإطار المذهبي.

لم يكن لدى الموحدين الدروز يوما مشروع سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وبالتالي لم يكن لهم هدف ببناء كيان خاص بهم، بل كان إنتماءهم الطبيعي إلى الأرض التي يعيشون عليها ويصونوها وبالتالي ينخرطون في الدولة التي تظلل وجودهم، وشعار صون “الأرض والعرض” هو شعار مرتبط بالتعريف عن الدروز. وإذا سجل التاريخ حروبا عديدة خاضها الدروز في حقبات مختلفة على مدى مئات السنين، فذلك لم يكن للتوسع وإنشاء دويلات بل من أجل الدفاع عن الوجود في وجه أي إعتداء. ويأتي إلتزام المشايخ الدروز بالتوجه الديني البعيد عن السياسة ليؤكد بعدهم عن أي مشروع سياسي يستهدف إنشاء كيان خاص بهم.

فحتى دروز فلسطين لم يتخلوا عن الأرض وآثروا البقاء تحت الإحتلال الإسرائيلي على التهجير والتخلي عن أرضهم، وبالرغم من محاولات إسرائيل المتكررة لجعلهم حرس حدود، لكنها لم تستطع، حتى ولو كان هنالك بعضا من ضعفاء النفوس الذين انخرطوا في الجيش الإسرائيلي إلا أن هنالك العديد ممن يرفضون الخدمة العسكرية لأسباب وطنية وسياسية نابعة من تمسكهم بهويتهم العربية.

وفي سوريا وقف الدروز إلى جانب الدولة منذ أيام سلطان باشا الأطرش، لكن دور حزب البعث عموما وآل الأسد خصوصا، عمل على إذكاء الخوف لدى الأقليات في سوريا ومدهم ببعض المساعدات والدعم للوقوف مع النظام، لكن الأغلبية تتجه حاليا نحو الحياد في النزاع الدموي الحاصل في سوريا.

أما في لبنان وبعد الحروب العديدة والمتنوعة والتي شهدتها الساحة اللبنانية منذ القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وفي خضم الأزمة السياسية الراهنة فإن خيار الدروز الوحيد هو الدولة، ووحدها القوى الأمنية اللبنانية هي المخولة بالحفاظ على الأمن والاستقرار، ولا غنى عن الحوار بين جميع الأطراف للوصول إلى حل للأزمة اللبنانية.

لهذا فإن طائفة الموحدين الدروز هي أبعد ما يكون عن مشروع الدويلات الطائفية والمذهبية والتي يعد للمنطقة منذ زمن بعيد، وحتى لو ان تباشير هذا المشروع بدأت تظهر ملامحه، إلا انه لن يكون للدولة الدرزية من وجود بسبب موضوعي داخلي متأصل لدى الدروز من مشايخ وأفراد، وحتى ولو كان المخطط واضح المعالم.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار