عذراً معلمنا الشهيد

وسام القاضي

في خضم الأجواء المضطربة والتي تتخبط فيها منطقتنا العربية بشكل عام، وإستمرار الأزمة السياسية في لبنان بشكل خاص، لا بد لنا من أن نتحادث مع طيف المعلم الشهيد كمال جنبلاط في ذكرى ميلاده، لأنه وبالنتيجة بعد ما عانيناه وما تخبئه لنا الأيام لم يبق لنا سوى هذا الطيف الباقي من مراحل نضالية سطرت في التاريخ بأروع أشكالها وذلك بقلم رجل قل نظيره، إرتبط نضاله بتحرير الانسان من الإستعباد، أطلق مفهوم الحرية لتطوير الفكر اليشري، لم يتنكر للظاهرة الروحانية كونها تربي الأجيال على النشء الصالح، إعتنق الإشتراكية لجعل المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، ولم يتخل عن العروبة كمنطلق أساسي في قضية فلسطين.

ماذا حصل وماذا تغير؟ فمنذ إغتيالك ولبنان يفقد تدريجيا قراره المستقل وسيادته على أرضه، وإنحلال الدولة بمؤسساتها يستكمل فصوله، والنظام السوري الذي إغتالك بالنيابة عن أنظمة قمعية رجعية في المنطقة، كان المساهم الأساسي في إضعاف الدولة وتفككها على حساب تقوية تيارات وأحزاب تدور في الفلك السوري، وفقد النضال الوطني معناه الحقيقي، ولم يعد هنالك من قضية وطنية بل قضايا مذهبية وطائفية وأصبح الإنتماء للمذهب وليس للوطن.

عندما أطلقت الثورة عام 1958 وطالبت بتقصير ولاية رئيس الجمهورية، تحركت المراجع المارونية في المواجهة كونك تمس معنويات وموقع رئاسة الجمهورية، وتكرر الأمر نفسه عام 1975 بعد إندلاع الحرب الأهلية، أما اليوم فالبلاد تعيش دون رئيس للجمهورية والمراجع المارونية تتعايش مع هذا الواقع المرير، فعجبا كيف أن الفراغ القاتل يقبل أما التقصير المحق يمنع.

kAMAL-JONBLAT

أما البرامج الاصلاحية ومحاربة الفساد والهدر فحدث ولا حرج، وما يكشفه اليوم وزير الصحة وائل ابو فاعور وهو أحد التلامذة الأوفياء لمبادئك وقيمك هو غيض من فيض، مما يدور ويحدث في البلاد، وطبعا أجهزة الرقابة تنام نوم أهل الكهف. والشعب اللبناني يدفع الثمن غاليا نتيجة ما وصلت إليه البلاد.

سقط شهداء، وتيتمت عائلات، وأصيب العديد من الجرحى، ودمرت منازل كاملة، من أجل ماذا؟ من أجل أن يبقى لبنان بلد الحرية والعدالة والمساواة، بلد يستقطب أبناءه، أما ما حدث فقد هاجر العديد من أبناء هذا الشعب إلى الخارج، وفرغت الساحة اللبنانية من أجيال تعطي زخم فكرها وإنتاجها للخارج بدلا من وطنها الأم. أما المواقع التي إستشهد عليها الكثيرون وجرح الكثيرون، فأصبحت بمعظمها بعيدة عن متناول أبناء الشهداء والجرحى بسبب المشاريع السياحية وغير السياحية التي بنيت على دماء الشهداء ويتنعم بها كبار القوم. فلقد أفرزت الحرب طبقات إجتماعية متفاوتة بشكل كبير وقد زالت الطبقة الوسطى بينهما بسبب الغنى الفاحش الذي وصلت إليه طبقة كبار القوم.

وفي المقلب الآخر مقلب فلسطين، تلك القضية التي إستشهدت من أجلها، أصبحت في مكان آخر لا يمت بصلة لما ناضلت من أجلها، ففلسطين حجمت ليدور صراعها بين فتح في الضفة وحماس في القطاع، هذا ما إنتهت إليه بعد تخلي أو نسيان الأقطار العربية لقضيتها. فكيف يتذكرها العرب ومعظمهم دخل في صراع لن ينتهي بالمدى المنظور وهو الصراع السني والشيعي، وكاننا عدنا إلى أواخر العصر العباسي وتدخلات الفرس والنزعات التي كانت تحصل.

أما في الحزب الذي أعطيته من فكرك وثقافتك وإنسانيتك، وأردت من خلاله أن ترتفع إلى أعلى مستويات القيم الإنسانية، فإننا لم نرتق إلى المستوى المطلوب، إذ غلب العمل الإستزلامي على العمل المؤسساتي، وغلبت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وغلب الإنتماء العائلي على الإنتماء الحزبي، أم التجرد من الذات فهو كإضاءة شمعة في باحة مظلمة.

لم يكن الإنسان الذي علقت آمالك عليه، يا معلمنا الشهيد، على قدر المسؤولية، ولعبة الأمم كانت أكبر بكثير من مستوى النضال والتضحيات، فمنهم من تخلى عن الدرب الشاق، ومنهم من دفع أثمان باهظة ومستمر دون غاية أو مصلحة خاصة، و منهم من يبغي التبؤ في الصفوف الأمامية وكسب الرضى، والتاريخ وحده يكشف المستور.

وعذرا منك يا معلمنا الشهيد، إذ يبقى سؤالنا لك هل القضية تستحق العناء بعد ما حصدنا وما وصلنا إليه؟

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار