الفساد في لبنان بين الفاسد والمفسد

وسام القاضي

أصبحت كلمة الفساد صفة يتناقلها اللبنانيون عن كل حديث مرتبط بدولتهم، أو بالأحرى صفة للتعريف عن واقع الحال في لبنان، فالفساد لم يعد يقتصر على عمل إدارة الدولة اللبنانية، بل هو فساد سياسي، فساد إقتصادي، فساد مالي، فساد إجتماعي ومكلل بالفساد الإداري.

وليس الغريب أن يصاب قطاع ما في أي دولة بالفساد لكن الغريب أن ينتشر الفساد بشكل عشوائي كما يحدث في لبنان ولا يأبه له القيمون على الدولة. وتكمن الخطورة أيضا أن المواطن ركب موجة الفساد فاسدا كان أو مفسدا، إذ أن وعلى سبيل المثال ما إصطلح اللبنانيون على تسميته “الإكرامية” هي في الحقيقة رشوة لتسهيل معاملة ما، فالإكراميىة التي تبدأ مع النادل في المطعم هي في الحقيقة رشوة لتحسين خدمة الطاولة مع العلم أنه من واجب المطعم تقديم خدمة رائعة، ويتوسع الوصف وصولا إلى كبرى الشركات في لبنان التي توزع شيكاتها على بعض الوزراء والنواب، ونقول البعض، كإكراميات مسبقة على خدماتهم لتسهيل أعمال تلك الشركات، إذ أنه من البديهي أن رواتب بعض الوزراء والنواب لا تكفي لحياة البذخ التي يعيشونها، وبالأحرى التي تعيشها عائلاتهم.

فالمواطن تعود في لبنان على كلمة تسوية أوضاع، وبالتالي فإن القانون لم يعد صارما، كما وأنه لدى أي مخالفة هنالك مفاتيح وقنوات لتسوية الوضع، وهذا يعطي بعض الموظفين بابا لإستغلال مناصبهم من أجل الكسب غير المشروع، ونقول غير المشروع لأنه يخفف على المواطن من أعباء مالية وفي نفس الوقت يقلل على الدولة من تحصيل رسومها، وبالتالي يستفيد من إكراميات تفوق أحيانا على راتبه الثابت.

corruption

كما وأن هنالك أمرا أساسيا يمنع الفساد لكنه مغيب في لبنان، ألا وهو هيبة الدولة، تلك الهيبة المفتقدة بسبب المحاصصة الموجودة للقوى السياسية الفاعلة، إذ أنه وبالنتيجة العلمية والموضوعية من تكون الدولة، فالدولة هي مجموع القوى السياسية الفاعلة في البلد والتي لها تمثيلها النيابي والحكومي، والهيبة تأتي من خلال تطبيق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لكن ما يحصل أن كل طرف يقضم من هيبة الدولة ليمارس هيبته الخاصة، وعليه فإن القوانين أصبحت تحت نفوذ القوى السياسية، إن لم نقل المذهبية، حتى أن السلطة القضائية هي تحت نفوذ تلك الأخيرة، إذ أنه وبطبيعة الحال فالقضاة يطمحون إلى تحسين أوضاعهم عبر تبؤ مناصب عليا أو العمل في مناطق معينة أو أقسام محددة، وكل ذلك تحت نفوذ الطبقة السياسية لأنه من دون موافقتها لا تتم المناقلات القضائية.

أما فيما خص موظفي الإدارة من كافة الفئات فالمدعوم لا يقترب منه التفتيش المركزي إطلاقا، لأنه معين من قبل هذا الزعيم أو ذاك، أو تابعا لهذا الطرف السياسي أو المذهبي. وكل ذلك يضعف من قوة الدولة ووجودها ودورها، والمواطن بالتالي يستقوي عليها عبر عدم إحترامه القوانين والأنظمة لأن يدرك مسبقا أن كل أموره تحل بالواسطة أو بالإكراميات.

وبالتالي فإن الفاسد هو هذا الطقم السياسي الذي فضل وجوده على وجود الدولة، وإعتبر أنه حامي الدولة وليس الدولة الحامية له، وبدل أن يأخذ الجميع درسا من دروس الحرب الأليمة والتي عصفت بلبنان على مدى عقود، فإنهم وجدوا بالتقوقع الذاتي منطلقا لقوتهم وليس لدعم الدولة وتقويتها.

لبنان هو ضحية الفساد المستشري من قبل الفاسدين والمفسدين على حد سواء، والمواطن الذي يعاني من هذه المعضلة هو مساهم أساسي لحدوثها لأن الثقة المعطاة من قبله للطاقم السياسي المتمثل بالقوى السياسية هو في غير محله، ولا بد من ثورة من الذات تبدأ أولا وأخيرا.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار