ماذا بقي من ثورة “اوكتوبر” الاشتراكية؟
وسام القاضي
8 نوفمبر 2014
يبقى السادس من تشرين الثاني 1917 ذكرى الثورة الاشتراكية الكبرى في روسيا القيصرية، في ذاكرة البشرية، مسجلا في صفحات التاريخ ومشعا ببريقه لأنه غيّر معالم كثيرة وتحولات كبيرة في مجرى الحياة على الكرة الأرضية. صحيح أن قلة ما زالت، وإن وجدت، تحتفل بهذا اليوم، بعد أن كانت الأعلام الحمراء تغطي ساحة الكرملين، إضافة للعديد من الساحات في الدول التي إنضوت تحت ما سمي بالمنظومة الإشتراكية، أو من خلال حركات التحرر في دول العالم.
لم تسقط النظرية بل سقطت الممارسة على الأرض، صحيح أن كارل ماركس كان ينتظر إنطلاق الثورة في بريطانيا نتيجة للثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر، لكن ما حدث في روسيا أذهل العالم لأنه لم يترك بصماته على الساحة الروسية فقط والتي تحولت إلى ساحة سوفياتية، بل إنعكست آثار الحدث على الدول كافة والتي شهدت ثورات ضد الأنظمة الحاكمة التي جوعت شعوبها.
فالثورة البولشيفية قدمت المساعدات لدول العالم الثالث بشكل لا مثيل له، فكانت المساند لنصرة الشعوب من خلال دعم حركات التحرر، وساعدت على تنشئة العديد من الطلاب في إستكمال تعليمهم حين كانوا يعجزون عن ذلك في بلادهم، وكل ذلك على حساب إقتصاد الشعب والدولة السوفياتية.
لكن تأتي الرياح دائماً بما لا تشتهي السفن، فآمال الشعوب ونضالاتها وتضحياتها كانت في واد، والوصوليون الذين أمسكوا بمفاصل الأمور وجيروا مكاسب الثورات لصالحهم في واد آخر، فقد غيروا بوصلة أهداف الثورات، واصبحوا حكاماً فاسدين تربعوا على عروشهم ومارسوا مع زمرتهم الحاكمة شتى أنواع الفساد والهدر والظلم، وكان الشعب يراقب لأنه كان عاجزا عن المحاسبة، إذ أن من تربع على سدة الحكم بمفاعيل الثورة كان يبطش تحت شعارات الثورة دون حسيب أو رقيب.
وليس مستغرباً أن نشهد ظهور الحركات الدينية المتطرفة بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية، فبعد أكثر من سبعين عاما كانت الكنائس والجوامع خلالها مقفلة أمام ممارسة الشعائر الدينية، وجدنا أن شعوب تلك البلاد متدينين أكثر من الذين لم ينقطعوا عن ممارسة الشعائر الدينية في البلدان الأخرى، لأنه لم يقدم البديل الصالح لهم.
ومع سقوط الكتلة الشرقية تلاشت معظم الأحزاب اليسارية التي دارت في فلك الماركسية اللينينية، لأنها لم تكن مستقلة بفكرها وبكيانها وفق البيئة التي تنتمي إليها، بل كانت تقتبس فكراً مستورداً من الخارج دون الأخذ بعين الإعتبار الواقع الداخلي لكل بلد على حدا. لهذا كان يقال عندما تمطر في الاتحاد السوفياتي كان البعض من تلك الاحزاب تفتح مظلتها في بلدانها.
ونحن على مشارف مرور مئة عام على إنطلاق تلك الثورة نتذكر بإعتزاز وفخر نضالات رجالات وثوار كبار على الساحة العالمية الذين ناضلوا وإستشهد العديد منهم في سبيل قضايا الحق والعدالة والانسانية، ونتذكر تضحيات الجيش الأحمر الروسي الذي وقف في معركة ستالينغراد لرد العدوان النازي، والتي كانت تلك المعركة نقطة تحول كبرى في مجرى الحرب العالمية الثانية.
تبقى في الذاكرة تلك الصور الرائعة للثوار والمناضلين تحت الرايات الحمراء والتي ثقفت ونورت العقل البشري، بينما نحاول طمس صور بشعة لإنتهازيين وديكتاتوريين تسللوا من خلال الثورات إلى سدة الحكم وأعطوا صورا بشعة عن الحكم الإشتراكي وعن مفهوم ومغزى الثورات. إنها المفارقة الكبرى بين نفوس تحمل الخير ونفوس تحمل الشر، فتحية إلى ما بقي من ذكرى قليلة للثورة الإشتراكية الكبرى في عقول وفكر كبار النفوس.