الموارنة من الإمتيازات إلى الفراغ

وسام القاضي

تمر المجتمعات البشرية بالعديد من المحطات التي تغير مجرى الأحداث، فتتمدد أحيانا وتتقلص أحيانا أخرى، وذلك نتيجة تحولات خارجية تنعكس عليها وتزامنا مع الخيارات التي تعتمدها. والموارنة في لبنان مروا بهذه التجربة على مدى مئات السنين حيث شكلوا محور الحركة في بنية لبنان وتكوينه وكانوا في قلب هيكلية النظام اللبناني. لكن تجربتهم لم تلحظ أي وقفة نقدية لتقييم المتغيرات التي حولتهم من أصحاب الامتيازات الأساسية في النظام اللبناني إلى مبعدين عن جوهر مصير هذا النظام وعدم تمكنهم من إستلام أعلى مسؤولية في لبنان ألا وهي رئاسة الجمهورية.

لقد مر الموارنة بأحداث لم يتمكنوا من قراءة واقعها وآفاق مستقبلها، خاصة بعد إعلان لبنان الكبير، إذ أن حكم متصرفية جبل لبنان بالثنائية المارونية الدرزية تختلف تماما عن حكم لبنان الكبير بعد ضم أقضيته ذات الأغلبية السنية والشيعية عام 1920. كما وأن النمو السكاني والتطور الديمغرافي الذي أخذ يشهده لبنان بعد ذلك لم يأخذه الموارنة في الحسبان، وإعتقدوا أنهم بتعاطيهم مع حلفائهم من رموز في بقية الطوائف يستطيعون حكم لبنان.

هذه المقاربة لم تعط النتيجة المرجوة كون الرموز الذين تحالفوا معهم لم يكن لديهم حيثية شعبية لها صدى لدورهم ضمن بيئتهم، ومع ظهور الفكر اليساري في بداية القرن العشرين وإنطلاق الحركات التحررية في دول العالم الثالث، تأثر الشعب اللبناني بهذه الظاهرة ليتظاهر ضد نظامه ويطالب بحقوقه من هذا الحكم الذي كان يقال عنه “الموارنة يريدون أكل البيضة وقشرتها”. إذ أن رموزهم لدى بقية الطوائف كانوا يعرقلون أي تطور أو نمو لمجتمعاتهم، وذلك بمعرفة مباشرة مما كان يسمى بالمارونية السياسية.

ولم يدرك أرباب السياسة لدى الموارنة المحاذير الذي أطلقها كمال جنبلاط من أجل تطوير بنية النظام اللبناني، بل تمسكوا بعدم تقديم اي تنازلات، وتحت شعار مواجهة الوجود الفلسطيني الذي كان يشكل بنظرهم خطرا عليهم، إستقدموا النظام السوري إلى لبنان، وبعد أن تقلبت المواقع وجدوا في إستدراج إسرائيل إلى لبنان مكسب لازالة السوريين والفلسطينينن.

ولم يكتف القادة الموارنة بالقراءة الخاطئة لمجرى الأحداث والتطلعات نحو المستقبل، بل شهدت الساحة تناحرا مستمرا بين أقطابهم، وصولا إلى معارك عسكرية لإلغاء الآخر، من معركة إهدن مع الرئيس فرنجيه، مرورا بمعرمة الصفرا مع الرئيس شمعون وصولا إلى حرب الإلغاء بين العماد عون والقوات.

وها هو الإلغاء يستمر بين القيادات المارونية، ولم يأهبوا لعدم التوصل إلى مرشح متوافق عليه بينهم بل آثروا الفراغ على ملء كرسي الرئاسة، وهم لا يدركون أن الصراع السني – الشيعي الذي انطلق من أرض العراق لينتشر في أرجاء المنطقة، لا يمكن الرهان عليه لأنه سيطيح بكافة الأوضاع ولن يترك بلدا في منأى عن الأحداث.

من هنا وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد دفع الموارنة ثمنا باهظا لعدم إكتراثهم لما قدمه كمال جنبلاط من برنامج مرحلي للإصلاح، وبدل تقديم تحسينات لنظام عفن وصل بهم الأمور إلى التخلي عن صلاحياتهم، وها هو اليوم يطرح وليد جنبلاط المنهج الوسطي الذي يلتزم بإعلان بعبدا، وهذا مدخل لتثبيت الموارنة في موقعهم، وما عليهم إلا التعمق بالتحولات الكبرى التي ضربت لبنان، من صراع اليمين واليسار، إلى الصراع السني الشيعي، وشتان ما بين قيم وأهداف الصراعين، لكي يأخذوا العبر وينقذوا البلاد من المستنقع الذي تغرق فيه.

فهل سيكون مصير إعلان بعبدا مشابها لمصير البرنامج المرحلي للإصلاح ويفوت الموارنة مرة أخرى فرصة نادرة للمحافظة على هذا الوطن؟ سؤال برسم من ورث ما تبقى من المارونية السياسية في لبنان.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار