الفوضى التوافقية

وسام القاضي

 تعتمد شعوب الدول المتقدمة والمتطورة على إحترام أنظمة دولهم، حيث أن الدولة بمؤسساتها هي التي ترعى شؤون شعبها، وبالتالي يتساوى كافة المواطنون على حد سواء أمام القانون، فلا من وساطات أو تسويات أو تظبيطات على الطريقة اللبنانية.

وفي لبنان يختلف الأمر كليا، إذ أن النظام الذي يكون الدولة أصابه الإهتراء، والدولة نخرها الفساد المستشري في كافة مؤسساتها، والشعب لم يعد يساهم في نهضة دولته بل يساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تقويضها. أما الطبقة السياسية فتعيش على أنقاض الدولة، إذ أصبحت تعمل وكأنها البديل المناطقي عن الدولة، وبالطبع يلجأ المواطن إليها كون الدولة غائبة كليا عن السمع.

لهذا لم يعد الفراغ يشكل عائقا أو عقبة في مسيرة الحياة في لبنان، فالأمور اليومية تسير “من قريبو” وفق المثل اللبناني الشائع، فسيان إن وجد رئيس جمهورية أم لم يوجد، إن شكلت حكومة أم لم تشكل، إن مدد لمجلس نواب أم لم يجتمع. الأمور تسير وفق فوضى منظمة توافقت عليها جميع القوى الفاعلة في لبنان. ألم يستمر مجلس النواب في لبنان منذ العام 1972 وحتى العام 1990، وبقيت الدولة وبقي الشعب، وها نحن نعيش اليوم نظام الفيتو، وهو البديل عن النظام الديمقراطي، فلبنان الذي هو أشبه بالمزرعة أصبح لكل مجموعة فيه حق الفيتو على أي إستحقاق يحصل، ولم يعد للديمقراطية معنى في الممارسة، وما يتغنى به اللبنانيون عن الديمقراطية والحرية تحول إلى شعارات رنانة وطنانة.

أصبح القانون في لبنان مطاطيا يختلف تطبيقه في المكان والزمان، وما من معيار موحد لتنفيذه، فما يجوز اليوم ربما لا يجوز غدا، وما لا يجوز اليوم ربما يجوز غدا. والمجال متاح في الرشاوى، أو بالتعبير المخفف لبنانيا، حيث بالاكراميات يستطيع المرء أن يجعل الأبيض أسودا والأسود أبيضا، وما يكتب اليوم قد يمحى حبره غدا، وما من حسيب أو رقيب لما يجري. وما زلنا نسأل كيف يستمر لبنان في الوجود.

تكثر العبارات والتسميات والمصطلحات المنطلقة من الوفاق والتوافق، حتى وصلت الأمور الى حد التوافق على الفوضى في لبنان، لأنه من الطبيعي عند تشرذم الدولة وضعفها تحل الفوضى فكان لا بد من تنظيمها، وبما أن لبنان هو بلد العيش المشترك فكان لا بد من أن يتوافق الجميع على العيش في ظل فوضى متوافق عليها، لكي يستمر الشعار القائل أن لبنان في ظل أزماته السياسية والاقتصادية ما زال قادرا على الصمود والحياة بفضل قدرة أبنائه على العيش في ربوعه.

هذه التعابير التي كانت تستعمل لبث روح الامل، قد قضت عليها مجرى الأحداث المتتالية، تلك الأحداث التي أثبتت أن ما من طرف يعمل لبناء دولة أو لتعزيز وجودها، وما من طرف يسعى إلى تطوير النظام اللبناني تماشيا مع تطور الدول في هذا العصر. فالإنقسام الحاد بين طرفي النزاع في لبنان وصل إلى نقطة اللاعودة وكل طرف يثبت أقدامه في المتاريس التي وضعها غير آبه بوضع هذا البلد وبمستقبل أبنائه، لأنهم جميعا يستفيدون من تحول نفوذ الدولة إليهم منفردين أو مجتمعين.

وكما هو ظاهر فإن هذه اللوحة القاتمة ستبقى تظلل الوضع اللبناني أقله في المدى المنظور لأن الأفرقاء المتنازعين قد أصبحوا مرآة للصراع الإقليمي الذي تعيشه المنطقة وفق السيناريو الدولي الذي يلعب بهم وفق مصالحه.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار