الحزب في ذكرى تأسيسه

وسام القاضي

بعيدا عن الأجواء الإحتفالية بعيد تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي وبعيدا عن الكلام الخطابي الرنان الذي يجمع ذكرى تأسيس الحزب مع عيد العمال العالمي، وبعيدا أيضا عن الأجواء السياسية الملبدة، لا بد من الغوص في العمق في هذه التجربة الفريدة من نوعها والذي خاض غمارها المعلم الشهيد كمال جنبلاط مع كوكبة من كبار المثقفين حين أعلنوا عن تأسيس الحزب في الأول من أيار عام 1949 وهم يدركون أنهم يشقون طريق في أرض وعرة، وفي بلد هو أشبه ما يكون بالمزرعة وتحت نظام متخلف رجعي لا يمت للتقدم والتطور بصلة.

لكن المعلم الشهيد كان يدرك تماما أماكن الخلل في بنية النظام اللبناني، وإقترب إلى أقصى حد من هموم ومشاكل المواطنين، فشاركهم المعاناة مما أتاح له تقديم عينة لهؤلاء المواطنين عن حزب طليعي يلبي طموحاتهم ونضالاتهم، فإقترن العمل التنظيمي بالعمل السياسي والإجتماعي، وإنتشر الحزب على صعيد الوطن واحتضن جميع فئات الشعب اللبناني، فكان التلاقي ما بين المزارعين والمثقفين، ما بين العمال والمفكرين، فكانت الفروع على مستوى عال من الفهم والوعي لأنها تحتضن خليطا متنوعا لكنه متجانس في العقيدة والفكر.

إلا أن المأساة الكبرى التي ضربت الحزب في صميمه كانت الحرب اللبنانية، التي نقلت الحزب من عمله التنظيمي والسياسي والاجتماعي إلى العمل العسكري، وكانت باكورة المأساة بإستشهاد المعلم كمال جنبلاط، وهو الذي كان يمقت الحروب وأعلن مرارا وتكرارا أنه دخلها مجبرا كونه يدرك السلبيات التي ستنعكس على البنية والعمل التنظيمي للحزب.

ومع إنتهاء حرب الجبل، تلك الحرب التي عسكرة الحزب كليا، ودخول لبنان في السلم الأهلي مع توقيع إتفاق الطائف، كان من الصعب جدا إعادة تسييس وتنظيم الحزب بالشكل الذي كان عليه قبل الحرب، وهذه العملية والتي إستغرقت سنوات لم تتمكن من دمج الفئات المتنوعة من مقاتلين سابقين وخريجين للحزب من جامعات المنظومة الاشتراكية آنذاك، وهذا أدى إلى ضعف عمل الفروع الحزبية والذي أوصل إلى حالة ترهل، لأن إغناء الفروع يتطلب إشراك جميع الأعضاء والإستفادة من قدرات البعض ذوي الكفاءة الفكرية والثفافية، لكن ما هو حاصل هو إنكفاء شريحة واسعة عن العمل نتيجة ملاحظات جزء كبير منها موضوعي ولا يتعلق بالتعاطي السياسي بل بالتعاطي التنظيمي.

صحيح أن نتائج الحرب السلبية أصابت كافة الأحزاب في لبنان، منها من إنقسم ومنها من تشرذهم ومنها من غاب عن الخريطة كليا، لكن الحزب وبفضل السياسة الحكيمة التي إنطلق بها ومشى خطاها رئيس الحزب وليد جنبلاط، أبقت على وحدته وتماسكه، فلهذا لا يوجد ثغرة في التعاطي السياسي في الحزب، لكن الثغرة الكبرى تكمن في العمل التنظيمي والإجتماعي والتي هي بحاجة إلى نقاش موضوعي، ومتجرد من أي خلفية مسبقة، للوصول إلى خارطة طريق تزيل الترهل وتعيد الثقة بالعمل الحزبي السليم.

لا يمكن أن يبقى الحزب تيارا جماهيريا ضمن خط سياسي كان وسيبقى الرافعة للحزب، إذ أن أهمية العمل التنظيمي توازي العمل السياسي، وإذا كان المعلم الشهيد كمال جنبلاط قد تحدث عن حزب النخبة فلأنه أدرك تماما معضلة الوعي والفكر لدى الشعب، وحزب النخبة لا يعني مطلقا حزب المتعلمين، بل إنه حزب نخبة كل من يتمتع بالوعي والمنطق والثقافة ويتخلى عن مساوئه الشخصية، أكان طبيبا أم مزارعا، أكان مهندسا أم عاملا، والنخبة هم نخبة من يتمتع بالصيت الحسن بين مجتمعه، والنخبة هم من ينال ثقة البيئة الاجتماعية التي تحيط به، النخبة هم من تلبي طموحات الناس لا أهوائها ورغباتها الخاصة.

ليكن الأول من أيار لحظة وقوف مع الذات، وقفة تأمل وتفكير للانطلاق مجددا نحو المستقبل ولتبقى راية الحزب خفاقة، فمن لديه تاريخ ناصع بالبياض كتاريخ مؤسس هذا الحزب لا يجب أن يتخاذل عن لعب دور التقدم والتطوير والعمل الدؤوب نحو الأفضل.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار