الفقر والحرمان والجهل من مقومات مدرسة الارهاب
وسام القاضي
19 ديسمبر 2013
يتساءل المرء أحيانا عن الدوافع الحقيقية لإقدام عناصر بشرية على الانتحار عبر تفجير سيارات أو من خلال حزام ناسف وقتل وجرح عدد كبير من المواطنين الذين لا ذنب لهم سوى تواجدهم في الزمان والمكان الخاطئين. ويحاول المرء أحيانا أن يعطي تفسيرا للدافع لهذه الأعمال، هل هو إلايمان بعقيدة ما يجعل الانسان متخلي عن نفسه وروحه، سؤال لا نجد له ايجابة إذ أن لا دين ولا مذهب ولا طائفة تشرع أو تبارك القضاء على النفوس البشرية عبر العمليات الانتحارية، وبالتالي لا يمكن توصيف هذه الأعمال الغير إنسانية إلا من خانة الأعمال الإرهابية.
وأمام هذه الحالة الهستيرية التي تعيشها المنطقة لا بد من الغوص في الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الحالات على الساحة اللبنانية، والأخطر من وجودها هو وجود بوادر بيئة حاضنة لهذه الحالة، وكما هو معروف فإن لبنان لم يكن يوما مرتبطا لا من قريب ولا من بعيد بالحركات الأصولية التكفيرية، وبالرغم من الحروب الداخلية المتنقلة عبر عقود من الزمن فإن حالات التطرف الديني لم تجد يوما بيئة حاضنة لها في لبنان.
إلا أن الوضع المزري في بعض المناطق السكنية، بدءا بالمخيمات الفلسطينية وتحديدا مخيم عين الحلوة، حيث وضع المخيم السكني لا يتطابق مع الحد الادنى لمتطلبات الحياة، وتغيب عنه النظرة الانسانية بحدها الادنى، وبالتالي أصبح موطىء قدم لكل من يستغل هذا الوضع لجره الى مواقع يدخل فيه أبناء المخيم وأصدقاء المخيم في تيارات تكفيرية متزمتية وينتج عنهم أعمال إرهابية تضر بلبنان وبشعبه ومؤسساته.
وعلى خلاف الوضع اللبناني فإن الأنظمة القمعية في العالم العربي، انظمة الأحزاب التي حكمت شعوبها بالاستخبارات والاعتقال والتعذيب مارست سياسة الحرمان لشعوبها وتركتهم بين براثن الجهل والفقر خوفا من أن تتطور تلك الشعوب وتنتفض على حكامها. وتلاقت هذه الاستراتيجية مع أصحاب العقائد المتعصبة والمقفلة على نفسها والتي وجدت في بعض الأمكنة بذور بيئة حاضنة للحالات التكفيرية والاصولية، إذ أن من يعاني الحرمان والقهر والفقر يجد ملاذا له في الانتماء لهكذا حركات.
فمن أجل إقتلاع هذا المرض المستشري في المنطقة العربية والذي ترعرع عل حساب ربيع الشعوب العربية، ليخفف من وهجه ومن تقدمه، فلا بد من دعم خط الاعتدال لدى كافة الطوائف والتي تشكل فسيفساء في هذا الشرق. وهذا الخط الاعتدالي والذي يواجه في كل دولة عبر تحديات تعترضه وفق خصوصية كل دولة على حدا، يجب أن يكمل طريقه لأن لا خيار سوى مواجهة التحدي، وإلا فإن المنطقة ستدخل في آتون صراع مدمر لا يخرج منه منتصر، ولا يفكر أحد أن بعديده أو عتاده يستطيع قلب المعادلة، فالمعادلة الوحيدة باستمرار الفتنة والصراع هو بشرذمة المنطقة الى دويلات وكانتونات تحكمها الحروب المتنقلة وسفك دماء الابرياء عبر مجازر ينبذها الدين لأي معتقد كان.
هل هنالك من عقلاء بعد في هذا المشرق، أم دخل الجميع في غيبوبة وتركت الساحات لأولئك المتطرفين الذين لا يأبهون للقيم الانسانية وللمفاهيم الدينية، هل سيدرك من يتمترس خلف مواقفه التصعيدية أن الحل يكمن بالتلاقي على الحد الأدنى وتقديم التنازلات من أجل الوصول إلى مخرج من الأزمة، يبدو لغاية الآن أن هذا الكلام هو حبر على ورق والآتي أعظم.