مأساة عصفور ميت… مأساة وطن
محمود الاحمدية
11 نوفمبر 2016
بالأمس كنّا في زيارة لصوفر وقضاء الإجازة الأسبوعية في منزلنا الصيفي مستأنسين الهواء العليل والضباب الجميل الذي يلامس الأرض والشجر والتلال في لوحة سحرية من توقيع الرب عزّ وجلّ… وبينما نحن في الحديقة تفاجأت في ثلم التراب بعصفور ميت! وسياج البيت حماه من يد الذي اغتاله…
وبعيداً عن ادعاء العاطفة وبعيداً عن تصنّع المشاعر، وبكل مصداقية شعرت وكأن جثة إنسان سقطت في الحديقة! نعم هناك من كان يصطاد في غيابنا، وخاصة هناك شجرات صنوبر عمرها فوق الربع قرن، وتعودنا قبل مغادرتنا إلى المدينة بسماع زقزقتها كل صباح في جوقة متكاملة تجعلنا نخشع لرب العالمين. ونرى الجمال يتجسد عبر عصفور يزقزق في الصباح وكأن الدنيا كلها تعيش بهجة اللحظة وبهجة فرح الطبيعة! منظر العصفور الميت أثار فيّ، وإظهاراً للحقائق المرعبة والفلتان على غاربه وفقدان المحاسبة، رغبة في إبراز الأرقام الفلكية التالية: هناك ستماية ألف صياد حسب إحصائيات كتاب وزارة البيئة يجوبون الوهاد والجبال في كل أنحاء لبنان، بينما بلد مثل فرنسا سكانها قرابة الستين مليوناً هناك نفس عدد الصيادين أي ستماية ألف!! هناك ستماية طن من الرصاص يتم صرفهم سنوياً… والأخطر 2,6 مليون طير يتم صيدهم سنوياً… وتتفاجأ بالصيادين يجوبون الجبال والوديان وآخر همّهم القوانين وآخر همّهم نوعية الطير الذي يصطادون مع العلم أنّ قانون الصيد 37 عام 1997 حدد الأنواع بـ 325 نوعاً و59% منها ممنوع صيدها وحددها على الشكل التالي على سبيل المثال لا الحصر: الترغل ممنوع على الصياد أن يصطاد أكثر من 10 طرائد بالنسبة للمطوق 50 طريدة والفري 20 طريدة والصلنج 25 طريدة والحمام البري 5 طرائد… إلخ…
والصيد في الخارج يخضع للقوانين بأبعاده الثلاثة: الزمان والمكان ونوع الطيور والعقوبة كبيرة قياساً لإمكانيات الصياد إذا حاول المخالفة، وهناك مدارس وامتحانات يخضع لها الصيادون لمعرفة قيمة التوازن البيئي وأهمية كل نوع من المخلوقات ومنها الطيور.
وعلى سبيل المثال إن دودة الصندل التي تفتك بأحراج الصنوبر وتتركها بعد أن تجتاحها أثراً بعد عين وبلون رمادي فيتحول الأخضر إلى رمادي والذي كان يقضي عليها نوع معين من الطيور ولكن الصيد قتل هذه الطيور ودمّر معادلة التنوّع البيولوجي والتوازن البيئي!!
وواقع الصيد في لبنان يثير الشفقة والأسف على كل الأصعدة فيبدأ الصيادون عند الفجر ويتابعون حتى الغروب ناشرين رعب صوت الرصاص صباحاً ومساءاً ويتم إطلاق النار على كل أحجام العصافير والطيور وقسم كبير من الصيادين يعتبرون الطيور الجوارح مسمو ح صيدها وفي متناولهم مع العلم أن القانون الدولي يحرّم صيدهم كالصقور والنسور والباز والعقبان، والمأساة هي في (موضة) استعمال الماكينات التي تصدر أصواتا أشبه بأصوات الطيور وتكون مصيدة قاتلة للعشرات إن لم نقل المئات عداك عن قضبان الدبق وآخر (موضة) هي وضع أشجار على السطوح أمام حائط مسدود وتسليط النور القوي عليها فتأتيها الطيور بسرعة وتصطدم بالحائط الحامل ظلّها فتخرّ صريعة الجهال القاتل… والمؤسف أكثر وأكثر أن الصيادين يتخطون قواعد احترام الأملاك الخاصة والمحميات والمسافة بين فوهة البندقية والطير مسافات ضوئية من اللاأخلاق والعدمية وحب القتل بدم بارد وأنا لا أقسو على كل الصيادين ولا أتهمهم جميعهم ولكنني وبكل وجع الدنيا أقول الكلمة التي ملّتها الناس: أين هي الوزارات المختصة وأين هو تطبيق القوانين!!
لن أغوص أكثر في هذا الموضوع المؤلم، وأختم لأقول إن الصيد في الخارج مسؤولية مشتركة بين المواطن والدولة، وأن الصيد رياضة والرياضة أخلاق، أما عندنا فهي تدمير يومي لهيبة الدولة وللأخلاق…
يكفي النظر إلى الإعلانات عن آخر ما أنتجته مصانع أسلحة الصيد وعلى عينك يا تاجر حتّى ترى معالم وطن ينهار وببطء ولكن أكيداً إلى الهاوية.