جاهلية سياسية… بل أكثر!

محمود الاحمدية

من حق كل شعوب الأرض أن تختلف، وأن تناقش خلافاتها وأن تقارع الحجة بالحجة وأن تتبادل الرأي كأنها تتبادل ضرب كرة التنس… ما عدا الشعب العربي… فهو الشعب الوحيد في العالم المحرّم عليه أن يختلف…!

إذا اختلفْتَ معي في الرأي فأنت خائن أو عميل أميركي أو إيراني أو سعودي أو استعماري أو روسي أو صهيوني! مستحيل أن يكون هذا رأيك، لا بُدَّ أنك قبضْتَ ثمنه، ولا بُدّ أنك بعت ضميرك، وتنكّرت لوطنك أو لحزبك أو لزعيمك أو لقبيلتك عفواً عائلتك، أو لجِبِّكَ أو لقرميَّة جِبِّكَ!

موافق يعني مخلص، وَفِي، مُحافِظ على العُهود… مجرّد إعطاء رأيك يعني أنك معارض لا ثقة بك وفي خندق مغاير إذا لم يصفوك بنعوت أقسى وأشد إيلاماً… أفقك نحن… أفكارك نحن… طموحاتك نحن… أما خبرية “رب فكرة أصبحت ملكة” فاسمح لنا بها نحن نفكر بها ونعبّر عنك… ونحن الملوك والعباقرة والمبدعين!

غير معقول أن تخالفني في الرأي ولا تزال وطنياً كما كنت… حزبياً كما كنت… مخلصاً لعائلتك كما كنت… الوطنية هي أن توافقني الرأي والخيانة أن تعارضني… الولاء للقضية هو أن تؤيد وجهة نظري والعقوق للقضية أن يكون لك رأي آخر يخالف رأيي…

إن هذه الجاهلية السياسية هي المسؤولة عن كل ما أصابنا ولا أريد أن أحدد المسؤول عن إدخال هذه الجاهلية السياسية في أسلوب تفكيرنا السياسي، ولكني أعتقد أنه قد آن الأوان أن تدخل الحضارة في أسلوب مناقشاتنا وخلافاتنا… فقد يكون بعض الخطأ مني وبعض الصواب معك، ونحن إذا تناقشنا على أساس أن كلّ واحد منا يفكر في مصلحة وطنه وأن القضية سواء كانت عربية أو لبنانية أو عائلية، ليست احتكاراً لواحد منّا، عندئذ سنصل معاً إلى الصواب كله! أما إذا أصرّ كل واحد منّا على أن الحقّ معه وحده، فلن نصل إلى أي تفاهم أبداً…

هذا كلّه في جهة والمستوى الإسفافي والسوقي في جهة أخرى، وصل مستوى المناقشات والحوارات على الصعيدين العربي والمحلي إلى مستنقعات لا قرار لها ولا حدود سفلى!

إن الشعب العربي نضج، وأصبح لا يتلفّت إلى المشانق التي ننصبها على ألسنتنا لبعضنا، ولا يهتم بالمدافع الكلامية التي يصوبها بعضنا إلى البعض الآخر ولا يصدق تهم الخيانة والتواطؤ والثأر والانهزامية والاستسلاميّة..

الشيء الغريب أن اليهود فيهم عشرون حزباً وكل حزب يختلف مع الآخر ويعارضه ويهاجمه ومع ذلك لم نسمع مرة أن يهودياً اتهم يهودياً بالخيانة والعمالة وبيع إسرائيل للأجنبي…! وأعجب من ذلك أننا لم نسمع مرة واحدة أن يهودياً أطلق الرصاص على يهودي واحد يخالفه الرأي… نحن فقط الذين يقتل بعضنا بعضاً!.

ونحن فقط الناس الذين يتهم بعضنا بعضاً بأشد أنواع الخيانة حتى أصبح الغريب عنا، إذا قرأ بعض ما تكتبه صحافتنا يتصور أن الشعب العربي نصفه عملاء لأميركا، ونصفه الآخر عملاء لروسيا على الصعيد الدولي، أما على الصعيد المحلي فتختلف الصورة وتتوسع فنصبح كلبنانيين متهمين بأننا عملاء لأميركا وروسيا وفرنسا وإيران والسعودية…!

إن هذه التهم فقدت معناها ومدلولها، ولو استمر الحال على هذا المنوال فسوف تصبح مثل صباح الخير ومساء الخير!.
يجب أن ينتهي عصر الجاهلية ويبدأ عصر الحضارة… وإلا سنصبح ديناصورات الألفية الثالثة!!…

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة

السفير المطرود ظلماً وقهراً