لبنان لن يموت
محمود الاحمدية
11 ديسمبر 2018
أثناء زيارتي الأخيرة إلى كازابلانكا في المغرب الحبيب… كانت زيارة خاطفة لبلد عربي من أصل ثلاثة بلدان في رحلة واحدة… ولكنها الأجمل لأنني التقيت بصديق صحافي مغربي عاش الأوضاع العربية عامة واللبنانية خاصة منذ السبعينات وغطّى أحداثاً ومحطات وعايش الحقيقة وتواصل مع الناس وعاد إلى وطنه حيث يعيش براحة وسلام مع نفسه ومع مبادئه… رحلت أيام حرق الأعصاب واندثرت ساعات كان يحس المرء فيها أنه سيغير وجه العالم…!
التقيته والغداء المغربي الشهي والكرم العربي الحاتمي… وتوالت ذكرياته… وكأنني أمام شريط سينمائي إبداعي يدخل أدق التفاصيل بحرفية عالية ودقة متناهية قال بمسرة وألم: عندما زرت لبنان للمرة الأولى منذ أربعين عاماً وصفته بأنه بلد صغير برجال كبار… ولا أعرف ماذا جرى للرجال الكبار الذين رأيتهم في تلك الأيام… بعضهم ماتوا وبعضهم قتلناهم وبعضهم انتحروا وبعضهم ماتوا وهم على قيد الحياة وبعضهم دفناهم أحياء!!
نحن الجناة والمجني عليهم… القتلة والورثة المسؤولون عن النكبة وضحيتها في نفس الوقت. وعندما يجيء أولادنا وأحفادنا ويقرأون تاريخ هذه الأيام سوف يتصورون أننا كنا أمّةً من المجانين، نضرب رؤوسنا في الجدار ونمشي إلى الخلف ونفكر بأحذيتنا فلا يمكن لأصحاب أجمل بيت في الشرق الأوسط أن يشعلوا فيه النار ويحوّلوه إلى خراب ويجعلوا من السطوح الدور السفلى ومن الدور السفلى الدور العلوي لا يمكن أن يفعل أصحاب بيت كل هذا إلا لسبب وجيه!
هل السبب أننا لم نكن نستحق هذا البلد الجميل؟ هل كان كثيراً علينا أن يكون لدينا واحة للحرية في صحراء الاستبداد؟ هل ضقنا بأن يكون لدينا قطعة صغيرة من الأرض نتنفس فيها فلا تُعَدُّ علينا أنفاسنا، ونتحرك فيها فلا تقيد خطواتنا، ونحلم فيها فلا تتحول أحلامنا إلى كابوس؟؟
كانت ميزة ناس وأهل لبنان الجميل أنهم إذا غضبوا أخرجوا مسدساتهم ثم أطلقوها في الهواء، إنهم يتبادلون أقذع الشتائم وبعد لحظات يتعانقون ويتبادلون القبلات!! إن جميع الطوائف والأديان اجتمعت فوق جبل من الحب؟
ماذا جرى؟ أين هم أهل لبنان الذين نعرفهم، هذه الوجوه الضاحكة هذه القلوب البيضاء هذه الشفاه التي تتغنى بأغاني الحب وقصائد شعر الغزل. كيف تتحول أمة التعمير إلى أمة التدمير، بلد الحب إلى بلد البغض. شعب السلام إلى شعب الحقد والبغيضة وتحين الفرص للانقضاض من جديد… وجاء أيضاً في حديثه ما معناه: لقد أخفتموني في آخر حلقة تلفزيونية مع مارسيل غانم والمنطق المؤسف للضيوف الرئيسيين وللجمهور الحاضر، عنصريون حتى العظم في طروحاتهم وكأن إطلاق الكلمات يشابه إطلاق الرصاص، وجوه نافرة متأزمة مستنفرة والمنطق بعيد والهدوء بعيد ومستوى المناقشة فيه من السفاهة ما يكفي وخاصة عند الوصول إلى الخلاف على تسميته أحدهم شهيد أم قتيل!!
الغريب أن كل ذلك لا يجعلني أيأس! إنني أتوقع أن يقف لبنان على قدميه كما كان… مصنع أدمغة عالمي الصبغة سبعة عشر طائفة تحول الأسود إلى أبيض وتحول الفقر إلى غنى… لبنان سيعود متحرراً من كل التزاماته الإقليمية والدولية حراً سيداً مستقلاً كما كان تماماً لا يبقى فيه مجرد نفوذ أجنبي لأحد ولا سلطان فيه إلا سلطان الشعب!
كلام مغربي عربي يكبّر القلب والعقل والوجدان… لعل وعسى!!.
*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود