قطعة الماس في جبل من الزجاج

محمود الاحمدية

دخل عليّ محطّماً ممزّقاً، في عينيه مأتم، على شفتيه نحيب مكتوم، سألته فزعاً: ماذا جرى؟؟ قال: فقدت كلّ شيء في الحياة! سألته: هل ذهبت ثروتك؟ قال: مالي كما هو… قلت: هل ضاع مركزك؟ قال: أنا باقٍ في مركزي. سألته: هل فقدت ولدك في الغربة؟ قال: ولدي بألف خير… وأصابني شبه دوار وأنا أقول برعب ودهشة وانفعال: يا أخي نطوق هالجوهرة، رعبتني؟ ماذا حدث؟ قال: لقد فقدت صديقي بل عمودي الفقري الذي يقف بجانبي عندما أواجه الأنواء… كان السند الذي أستند إليه… كان المنديل الذي يمسح دموعي… كان البلسم والمرهم إذا جُرحت… كان هو الشمعة عندما تظلم الدنيا من حولي… ثم رحل صديقي وشعرت لأول مرة أنني وحيد غريب في بلدي ضائع وسط الزحام… أحتار ولا أجد دليلي، أتوه في صحراء الدنيا ولا أجد راحتي… ما أشقى الإنسان عندما يتعذب ولا يجد مَن يشكو إليه ويتألم ولا يجد صدراً يحنو عليه… هذا الصديق هو صديق العمر كله… قاسى بجانبه وبجواره أحزانه وشاركه أفراحه… ضحك معه وبكى معه ولم يبق من العمر سنوات ليصنع فيها صديقاً جديداً، يحمل نفس القيم والقامة…

الصداقة لا تولد في يوم وليلة… إنها تُمتحن في الشدائد وتظهر في المحن وتقوى في المواقف الصعبة… أصدقاء السلطان يعشقون السلطة فإذا ذهب الكرسي ذهبوا معه أما صديق المحنة فهو الذي وقف بجانبي عندما تخلّى الناس عني، وثبت بجواري عندما هرب أصدقاء العمل والطفولة والمصلحة والنضال، دافع عني في وقت رمادي خالٍ من أبسط قواعد الأخلاق والجرأة على قول الحقيقة، كان ثاقب النظرة لا يهابُ الحقيقة ويصرح بها ويقاتل من أجلها ويرى الشمعات التسعة وتسعين المضاءة وينسى الشمعة التي طفّتها الريح في زمن رديء حتى الموت وواقع مريض حتى الموت…

هل غلطتي أنه كان لي في الدنيا صديق واحد؟؟ وما ذنبي إذا وجدت قطعة واحدة من الماس في جبل من الزجاج؟؟ إننا لا نستطيع أن نضع إعلاناً في الصحف نطلب صديقاً، الأصدقاء اليوم أصبحوا مثل الشقق الخالية بل أنت تستطيع لو كنت قادراً أن تدفع خلواً لشقة ولا تستطيع أن تدفع خلواً لصديق!

واستطرد واستطرد وسط مهرجان حروف كانت تشرقط في كل الزوايا والفضاءات من قلب مجروح وسط زحمة من النشاف والحرقة وقلة المخلصين وكثرة الدجالين وبياضين الطناجر… وعندما هدأ بركانه ولوعته ونشفت دموعه، وبهدوء كامل أجبته: الدنيا مليئة يا صديقي بالناس الطيبين رغم كل شيء… إنك لن تجد كل الصفات في رجل واحد قد تجد العقل في صاحب ولا تجد فيه خفة الدم، وقد تجد المروءة في رجل ولا تجد فيه الصمود، وقد تجد طيبة قلب في إنسان ولا تجد فيه شجاعة قلب، نحن نخطئ إذا طلبنا كل شيء في إنسان واحد، ولذلك يجب أن نبحث عن كل ما نريد في كل الناس… وأنهيت حديثي:

صديقك الراحل قارة نادرة لم تعد موجودة خارج القارات الخمس! ابحث يا صاحبي… قد تجد خمسة أصحاب يصنعون مجتمعين صديقاً واحداً…! استودعني ومشى بخطى وئيدة… ووقع خطواته يضج في مسمعي حاملاً كل حزن العالم… بكل بساطة لأنه فقد صديقاً صديق في زمن باهت ناشف يشتاق لحنان رجل من دنيانا وحياتنا إلى الأبد…

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة

السفير المطرود ظلماً وقهراً