الملعب البلدي: إبتعدوا عن حرج بيروت

محمود الاحمدية

منذ حوالي عشر سنوات بدأت حكايتُنا المؤثِّرة والمُخجلة في الوقت نفسه… حاولوا بناءَ مبنى الأمن العام على أنقاض خمسمائة شجرة من حرج بيروت، وكانت صرخة مدوِّية للقطاع البيئي لوقف هذه المجزرة البيئية… ذبح خمسمائة شجرة… وتوقّف العمل وتوقّفت الآليات عن التحرُّك والضجيج، وأتذكّرُ أنّ الرئيس إميل لحّود ترأّس إجتماعًا لمجلس الوزراء وكان على رأس البنود إيقاف المشروع ونقله إلى مكان آخر غير حرج بيروت… وكان القرار الصّاعقة وتوقّف العمل بناءً على توصية من مجلس الوزراء.

وبعد أسبوع تفاجأ الجميع بأنّ المجنزرات تعمل بعد أن شهدت قبل ليلة، وفي ظلام الليل، مذبحة قطع الخمسمائة شجرة!! هكذا بكلّ بساطة وسط ذهول كل البيئيين… وكانت جمعيتنا “طبيعة بلا حدود” أول المذهولين لدورها الرائد في هذا المجال، والإعلام المرئي والمقروء والمسموع شاهدٌ على ذلك!! لأنّ المعركةَ شغلت الناس شهورًا كاملةً!!

وتجدّد المنظر من جديد وتجدّدت الخشية من جديد عند سماعنا بأنّهم سيُلغون الملعب البلدي ويقومون بمشروع بديل وينقلون الملعب إلى الحرج!!! (ما غيرو)!!! وبدأت الكلمات المنمَّقة والجمل المغلَّفة بالسيلوفان!! وعادت جميلة لعادتها القديمة!! وللمعلومات فقط: إنّ مساحةَ حرج بيروت مليون مترًا مربّعًا… ثلاثمائة ألف مترًا مربّعًا منها احترق أيام الحرب… وعام 1991 قامت بلدية إيل دوفرانس الفرنسية بالتبرُّع وترميم الحرج احترامًا لقيمته التاريخية بصفته متنفَّسًا وحيدًا في بيروت ومنطقةً خضراء تشكّل رديفًا أخضر لبشاعة الباطون في عاصمة الباطون!!

وبدأت الأعمال عام 1991 وإنتهت الترميمات عام 2002 وعاد الحرج أملاً لكلّ مُحبٍّ للأخضر والبيئة ولكلّ مشجِّعٍ على رؤية بيروت تعود لؤلؤة البحر الأبيض المتوسّط والأخضر يأخذ حيِّزًا، ولو صغيرًا، منها!! وتفاجأنا بالقرار الخنفشاري بنقل الملعب البلدي تحت حجّة أنّه وفي أثناء عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري أُقيم هذا الملعب من جديد ولكنّ الشركات الفرنسية أشارت إلى أنّه لا يستطيع أن يستوفي الشّروط المطلوبة من الاستادات لتحمُّل ضغط الجماهير!!

ومن هنا، وعبر وجود 30.000 مترًا مربّعًا مساحةً لهذا الملعب، قالوا وعلى لسان رئيس بلدية بيروت الدكتور بلال حمد إنّ الملعب سيصبح متنفَّسًا أخضر وعدّة ملاعب تدريبية وأماكن للهو العائلات البيروتية وصورةً ورديّةً جميلةً لا خلافَ عليها، بخاصّةٍ أنّ ثمّة موقفًا عاموديًّا سيستوعب آلافَ السيارات! كلّ ذلك جميلُّ… ولكن ما هو البديل يا جماعة الخير؟؟

في حديثٍ للصّديق رئيس البلدية الدكتور حمد لإذاعة الشرق يقول: “لن تُمسَّ شجرة واحدة من حرج بيروت وسيكون الملعب الجديد في منطقة قصقص ولكن سيأخذ جزءًا من الحرج”. سؤال أطرحه بمحبّة وبدون أيّة خلفيّة ونيابةً عن كلّ بيروتي أو لبناني ضنين على وطنه: لماذا نذهب دائمًا نحو تدمير الأخضر؟ وهل يُعقَل أن يقوم الملعب البلدي على تماس وجزء من حرج بيروت دون حدوث تخريب بيئي مستقبلي على المتنفَّس الوحيد الباقي في بيروت!! لماذا لا تذهبون يا جماعة إلى أرض جلّول، مثلاً، حيث يوجد هناك أكثر من ثلاثين ألف مترًا مربّعًا من مساحات لا علاقة لها بأيّة شجرة… وللمعلومات، إنّ هذا المشروع إذا إصطدم بالغطاء النباتي، فسيصطدم حينها بعصارة ملايين الأعوام التي ألّفَتْه وجعلته متنفَّسًا للأوكسجين للناس وللوطن!

خلاصة القول… يكفينا عشرات المصائب والتعدّيات البيئية التي لو عدّدناها لاجتاحت كل الصفحات! بالله عليكم إرحموا بيروت وإرحموا أهلَ بيروت وإرحموا خضار بيروت وإبتعدوا عن حرج بيروت… فالاقتراب من الحرج هو مفصل سرطاني يبدأ في مكان من الجسم ثمّ يقضي على الجسم كلِّه!!

أمنيةٌ من مواطن يحبُّ وطنًا كان في يوم من الأيام نموذجًا لجمال الأوطان… جمال كان يُتوِّجُه الأخضر!! ولنا عودةٌ إلى هذا الموضوع.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة