أمّةٌ لا تقرأ مهزومةٌ حُكمًا…!

محمود الاحمدية

الكتب هي ثروة العالم المخزونة وأفضل إرث للأجيال والأمم  (هنري ثورو)

كنتُ في زيارة لأحد الأصدقاء وتفاجأتُ بمكتبة قيّمة يملكها ويتعدّى عدد كتبها الألفين، ومن باب الحشرية سألته ما هو عمر مكتبك أي منذ بدأْتَ بإنشائها وتغذيتها بالكتب؟ أجاب: عشر سنوات… سألته كما كتاب قرأت حتّى الآن منها؟ قال: حوالي الخمسين كتابًا. فأجبتُ بهدوء وبدون أية مزايدة وبتواضع جمّ: اسمح لي أن أقولَ لك بأنّ العدد الحقيقي للكتب ليس ألفين بل خمسين كتابًا فقط…! لاحظتُ أنّه تفاجأ كثيرًا. أكملتُ حديثي: بكلّ بساطة إنّ الكتاب غير المقروء مصيره الغيبوبة والموت والغبار…

إنطلاقًا من ذلك، راجعتُ آخر إحصائيات حقيقية حول موضوع القراءة في العالم العربي ومقارنتها بالدول المتقدّمة، وكانت الأرقام مخيفة بكلّ مَعنى الكلمة!!! وهي تكشفنا وتعرّينا. خلاصتها شعبٌ لا يقرأ هو شعبٌ جاهل… لندع الإحصائيات تتكلّم وبالأرقام: إنّ الأوروبيَّ يقرأ 35 كتابًا في السنة الواحدة، أمّا العربيّ فإنّ كلّ 80 شخصًا يقرأون كتابًا واحدًا في السنة، وهذا متوسّط الإحصائيات بطبيعة الحال، وحسب هذه الإحصائية نستنتج أنّه لكي تتمّ قراءة 35 كتابًا في السنة فإنّنا نحتاج إلى 2800 شخصًا عربيًّا. باختصار، ثقافة الأوروبي الواحد تساوي ثقافة 2800 عربيًّا… وحسب اليونيسكو الأرقام مخيفة أكثر، يقولون في إحصائيات اليونيسكو إنّ الدول العربية أنتجت عام 1991 عددًا من الكتب لا يتجاوز 6500 كتابًا، بينما أنتجت أميركا الشمالية 102000 كتابًا وأنتجت أميركا اللاتينية 42000 كتابًا.

حسب إحصائيات المعارض الخاصّة بالكتاب في العالم العربي، نجد أنّ الكتب الأكثر مبيعًا تأتي على الشكل التالي: أولاً، الكتب الدينية، تليها كتب الطبخ، ثمّ كتب الأبراج!! تصوّر أمّةً تقرأ ما لذّ وطاب حتّى تُشبع معدتها وتقرأ التنجيم والسّحر والفلك… أمّا الكتب المترجمة فحدِّث بلا حرج وعلى مدى خمس سنوات هناك نسبة توازي 4.4 كتب لكل مليون عربي، بينما في المجر 519 كتاباً وفي إسبانيا 920 كتاباً… وصولاً إلى عدد الأميين في عالمنا العربي يناهز 60 مليونًا، مع العلم أنّ التعليم الأساسي لهذا العدد من الأميين يحتاج إلى ميزانية سنوية ستة مليارات دولار أميركي، وهذا رقم لا يُذكَر نسبةً لإمكانيات العالم العربي ويكفي للدلالة أنّ العالم العربي يستهلك مليار ونصف المليار دولار على التبغ سنويًّا!!! خلاصتها أنّ كل خمسة أشخاص عرب بينهم عربيٌّ واحد أميّ.

stack_of_books

وهناك خمسة ملايين طفل عربي خارج المدارس، والمأساة تبلغ ذروتها عندما نعلم أنّ مقدار ما تُنفقه الدول العربية على البحث العلمي يبلغ إثنين بالألف، أي ما يعادل عشرة دولارات سنويًّا.

من خلال هذه الإحصائيات، يتبيّن لنا أيّ مستنقع نقبع فيه كعرب. وفي الأوساط الفكرية، هناك إجماع على أنّ مطالعة الكتب الجديّة في بلادنا العربية شبه معدومة، وقد روى لي أحد المؤلّفين الأصدقاء أنّه نشر كتابًا باللغة العربية فلم يسمع له أيّ صدى، وما كاد ينشره باللغة الفرنسية حتّى تجاوبت أصداؤه بين فرنسا وبلجيكا وسويسرا وبعض الدول الناطقة بالفرنسية.

مؤلّفٌ آخر صديق أنقل كلامه حرفيًّا. يقول: “عندما أصدرتُ كتابي الأخير وفيه ما فيه من الآراء الجريئة بكل المقاييس بما يخصّ مجتمعًا بأكمله، توقّعتُ أن يُرجَم منزلي بالحجارة وأن تضجَّ أعمدة الصحف والمجلاّت بالنقد وأن يشرقطَ المرأي والمسموع بشتّى النقاشات. إلاّ أنّ شيئًا من هذا لم يحدث وسط ذهولي، فنحن يا أخي نيامٌ نيام لا نطالع ولا نُقيم وزنًا للفكر والمفكّرين همُّنا الأكل والشرب ومشاهدة التلفزة وكل وسائل التواصل الاجتماعي ببعدها السلبي حتّى بدأ القرف من كل شيء”.

الحقيقة التي لا تحتمل المناقشة أنّ شعبنا إنحدر في كلّ المجالات ودور الكمبيوتر جاء كي يقضي على البقيّة الباقية من القرّاء. كم كان رائعًا ميخائيل نعيمة عندما قال: “عندما تُصبح المكتبة في البيت ضرورةً كالطاولة والسرير والكرسي، عندئذٍ يُمكن القول بأنّنا أصبحنا قومًا متحضِّرين”.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة