المسيحيون والنهضة العربية ودورهم المفقود
محمود الاحمدية
3 سبتمبر 2014
منذ اسبوعين بدأت بقراءة كتاب عتيق وعتيق جداً اسمه (مجاني الادب في حدائق العرب) ومكتوب على صفحته الأول: (عُني بجمعه وضبطه وتصحيحه الأب لويس شيخو اليسوعي… مطبعة الآباء اليسوعيين بيروت)… والكتاب غني إلى درجة أخاف عليه من نسمة الهواء لما يحتويه من صفحات تذكّرنا بلغتنا الجميلة وبالمجد العربي والنهضة العربية يوم كان الغرب يغطّ في سُباته العميق وحدائق الأدب والفن والعلم والجبر والكيمياء والطب كانت مرتعاً للعرب… جمع هذا المبدع الأب لويس شيخو وعبر صفحات خالدات تاريخ النهضة العربية والتاريخ العربي… ومن خلال مطالعتي لصفحات هذا الكتاب طرأت فكرة المقارنة بين مجد وتاريخية وإبداع ودور المسيحيين في نهضة العرب وبين الدور الحالي المُضْمَر والمتواضع إلى درجة الانسحاق والحديث عن تحالف الأقليات… من الدور الرائد بأبعاده القومية العربية إلى الدور المتزمّت الخائف المتلطّي خلف الأنظمة الحاكمة…
ولمزيد من ضرورة الإضاءة على تاريخية هذا الدور المسيحي الرائد أحببت تسليط الضوء على قدر المستطاع على هذا الدور.
هذه النهضة التي وعلى سبيل المثال لا الحصر شارك المسيحيون فيها وكانوا السبّاقين في إحيائها… فكانوا أول من ادخل المطبعة إلى البلدان العربية عبر مطبعة دير قزحيا في لبنان ثم مطبعة حلب عام 1706 وساعدوا منذ منتصف القرن التاسع عشر على نشر التعليم وتأسيس المدارس العربية، فافتتحت الجامعات المسيحية بجهود المرسلين كانت أولها الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866 وجامعة القديس يوسف عام 1875 ممّا أدّى إلى إنتعاش الحركة الفكرية وقد خرّجت هذه الجامعات عدداً وافراً من اعلام العربية في تلك المرحلة… وكان للمسيحيّين دورهم التاريخي في إحياء التراث والأدب العربي وكان من أبرز أعلام الأدب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمه ومي زياده وأمين الريحاني وشفيق معلوف والياس فرحات ومن الشعراء والمؤرّخين برز إيليا أبو ماضي وخليل مطران والأخطل الصغير ونعمة الله الحاج وعيسى اسكندر وصليبا الدويهي ورشيد سليم الخوري… وبرز في الصحافة جرجي زيدان مؤسس مجلة الهلال عام 1982 ويعقوب الصّراف مؤسس صحيفة المقطم في مصر وسليم العنجوي مؤسس (مرآة الشرق) واسكندر شلهوب مؤسس مجلة السلطنة عام 1897 وسليم تقلا وشقيقه بشاره مؤسسا جريدة الأهرام القاهرية…
كما ولعب كل من ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم وبطرس البستاني دورا” في إعادة إستخدام اللغة الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر وعلى صعيد المسرح كان للمسيحيين دور متألق مع مارون عبود ومارون النقاش اللذين ساهما في قيام الحركة المسرحية في مصر… وقد شارك المسيحيون في نقل مفاهيم الدولة الحديثة إلى العرب كمفاهيم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والحق بالتعليم وتحديث الدولة وأكّدوا إعتزازهم بإنتمائهم القومي ومنهم بطرس البستاني الذي دعا إلى تعليم العلوم الحديثة وعمل لمبدأ العدالة وفصل السلطات في الدولة ، وإدخال التعليم الإلزامي، وألف قاموس المحيط ثم بدأ تأليف دائرة المعارف وإنشاء صحيفتين (الجنان والجنينة) وافتتح مدارساً على أسس قومية طلابها مسلمون ومسيحيون وأسهم في إحياء التراث العربي وهناك فرنسيس مراش الذي تحزب للعقل ونادى بالحرية والمساواة ومحاربة الإستبداد والإستعباد وطالب بالمواطنة مرجعية للجميع، ومنهم أيضاً اديب اسحق الذي عارض الاستعمار والتدخل الأجنبي ونادى بالوحدة العربية، ولعلّ فرح انطون من أهم النهوضيين العرب وقد ترجم إلى العربية مؤلفات عديدة وألف كتباً وساجل محمد عبده ونادى بالمساواة والعدالة والولاء القومي…
وقد لعب المسيحيون العرب أدوارا” مماثلة في الأدب والشعر العربيين والمسرح والصحافة ليس فقط في العالم العربي بل في عالم المهجر وفي القارات الخمس وأسهموا في إنشاء أهم الجمعيات ومنها جمعية الجامعة العربية والمنتدى الأدبي والجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد وحزب الاصلاح وفي المؤتمر العربي الأول الذي أقيم في باريس عام 1913 كان نصف عدد الأعضاء العرب من العرب المسيحيين … نظرة بسيطة ومقارنة بسيطة بين هذا الدور التاريخي المسيحي اللبناني في النهضة العربية ودورهم الحالي المتواضع إلى درجة لا تصدّق هذا الدور الذي وصل إلى حد عدم إمكانية إنتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العا لمَيْن الإسلامي والعربي من سواحل الهند شرقاً إلى سواحل الأطلسي في المغرب غربا” … المقارنة لا تتحمل مجرّد ذكرها والأمل كلّ الأمل أن يعود شركاء الوطن إلى القيام بهذا الدور الريا دي المسيحي المفقود …