“الفتنة” على أجندة دمشق – طهران

عبد الوهاب بدرخان (النهار)

بعدما أصبح تورط “حزب الله” في سوريا علنياً، ولم يعد مجرد دفاع عن سكان في قرى حدودية شيعية او مختلطة، كان لا بد من تغطيته داخلياً، خصوصاً أنه “الحزب الحاكم” ومحرّك خيوط الحكم والحكومة، ليبقى قادراً على حماية كذبة “النأي بالنفس” وقد انكشفت الآن بكونها نأياً عن الشعب السوري وثورته وانحيازاً للنظام وجرائمه.
واقعياً، لا يحتاج الحزب الى اي تغطية، لكن وجودها ولو الشكلي يبقى محبذا عنده ومساعداً. اذ دخل مجلس الأمن الدولي على الخط، وأصدرت رئاسته الروسية بياناً يعرب عن القلق من تورط عناصر لبنانية في الصراع الدائر في سوريا. ورغم ان هذا البيان خضع لتعقيم روسي ليوحي بأنه لا يعني طرفا بعينه، الا انه سلط الضوء على مخاطر امتداد الصراع الى لبنان. وقد بادر رئيس الحكومة الى الترحيب بالبيان الدولي، لكن اي رئيس حكومة يعي تلك المخاطر كان سيقول ان موقف مجلس الامن غير كاف، بل كان ليطالبه باهتمام اكبر، لأن الواقع اكثر خطورة، كذلك التوقعات.
لكن نظام دمشق كان جاهزاً للاستفادة من هذا البيان الدولي، فغداة صدوره ارسل مذكرة الى الحكومة اللبنانية تطلب منها الا تسمح لـ”المسلحين” باستخدام الحدود ممرا لهم. عن اي “مسلحين” تتحدث المذكرة، انها طبعا لا تقصد مقاتلي “حزب الله” الذين انخرطوا في خطة عسكرية هدفها مؤازرة قوات النظام في استعادة السيطرة على منطقة القصير وربطها بالريف الغربي لحمص ليتأمن الطريق من شمال دمشق الى حمص، ومنها غربا الى منطقة الساحل التي ستكون المعقل التالي للنظام عندما يصبح عصابة ولا يعود نظاما.
لم تكن مذكرة دمشق مجرد تحذير بل تهديداً، ما لبث ان بوشر تنفيذه سواء بإطلاق النار والقصف على قرى الحدود الشمالية، او حتى بالاغارة الجوية على جرود عرسال في الشمال الشرقي. هذا التعامل الجديد بين “الدولتين”، وبالتالي – صوَرياً – بين “جيشين”، يأخذ الجدل اللبناني الداخلي الى مكان آخر، ويحرف الانظار عن الدور الخبيث الذي يقوم به “حزب الله”. ذاك ان المسلحين المناوئين للنظام لم يعودوا يستخدمون الحدود اللبنانية بالنظر الى ما تعرضوا له من تضييق وتنكيل واعتقال. ورغم ان النظام يعرف ذلك، إلا أن ضعف الحكم اللبناني وعجزه واستكانته تسمح بقولبة الوقائع والحقائق وفرض أجندة نظام دمشق، بما فيها دفع لبنان الى فتنة مذهبية.
لا أحد يريد الفتنة، لكن نظام الأسد يريدها. وطالما أنه يتصرّف في مأزقه الحالي وفقاً للنصائح الإيرانية، يمكن استنتاج ان ايران تريد الفتنة ايضاً. واستتباعاً لا يستطيع “حزب الله” ان يرفضها اذا اصبحت – استراتيجياً – مطلوبة لذاتها، ولمجرد ان لبنان ساحة متاحة لتبادل الاستفزازات الاقليمية. كان المشهد لافتا بعد الاعتداء المفتعل على المشايخ السنّة في مناطق شيعية، كما لو انه “بروفة” لما سيأتي، والأكثر اثارة ان اركان الدولة كانوا في الخارج، كما لو ان وجودهم او عدمه لا يغير شيئا.

اقرأ أيضاً بقلم عبد الوهاب بدرخان (النهار)

النسبية والطائفية لا تلتقيان

إيران تجعل من لبنان “ضفة غربية”!

سوريا إلى مرحلة جديدة من الصراع

نظام إيراني واجهته “نصرالله – عون”

عودة إيران “الدولة” تقلق “حزب الله”

ايران ستصعّد لنيل الاعتراف بهيمنتها

عون و”إسقاط النظام” لمصلحة “حزب الله”

القلمون وغيرها لا تُنقذ نظام الأسد

لبنان بلا رئيس: مرتع للصراع الإقليمي

“المشكلة” مع “حزب الله”، ما هي؟

الرئيس المقبل: للبنان أم لـ “حزب الله”؟

ما بعد “النصر الإلهي” النووي

كيري و”حزب الله” و”معالم المستقبل”

الأسد يريد”جنيف – 2″ انقلاباً على “جنيف – 1”

لبنان و”استراتيجية تحرير كلّ فلسطين”

استكمال المهمة في صيدا

وظيفة “محور المقاومة”

من “النأي بالنفس” إلى الانحياز

“حزب الله” والتدخّل العلني في سوريا

المشروع الإيراني… قبل “الأرثوذكسي”