النسبية والطائفية لا تلتقيان
عبد الوهاب بدرخان (النهار)
4 يناير 2017
من الطبيعي أن تشيع الحكومة الجديدة والثقة المريحة التي نالتها أجواء ارتياح وأمل، ومع اضافة الوقف الشامل لإطلاق النار في سوريا يمكن القول إن بداية ايجابية فوق المتوقّع توافرت لـ 2017 على رغم مشاركة “حزب الله” في خرق الهدنة السورية. وكانت هذه البداية لتكون اكثر من مجرّد طيٍّ لمرحلة والشروع في اخرى، لولا الحزن الذي فرضه عمل ارهابي في اسطنبول أودى بحياة عدد من الشبّان اللبنانيين وترك آخرين مصابين. ويستوجب واقع الارهاب المعولم أيضاً التفكير في الضحايا الآخرين من عرب وغير عرب، فلم يكن وجودهم معاً سوى النقيض الحقيقي للعنف والكراهية اللذين قادا القاتل الى ذلك المكان لتخريب احتفالهم برأس السنة.
ثمة ألغام كثيرة أمام الحكم والحكومة، وليس مؤكّداً أن تمثيل الجميع فيها (تقريباً) سيساعدها على تجاوزها، فمَن ظلّوا خارجها لا يستطيعون تعطيلها، أما مَن هم داخلها فيستطيعون. هذه سنة مفصلية، على ما يقال، اذ يُفترض أن تتخللها انتخابات مؤجّلة “تقنياً”، ويعوّل أطراف في “الحكومة التوافقية” عليها لتقلب معايير التمثيل وتغيّر الطبقة السياسية، فتأتي حكومة ما بعد الانتخابات منسجمة مع الطاقم الجديد. وليس معروفاً ما اذا كان تحالف “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله” لا يزال متمتّعاً، بعد انتخاب ميشال عون رئيساً، بالتماسك نفسه حيال قانون يعتمد النسبية الكاملة للانتخاب وفقاً لتفاهماتهما السابقة.
هذه النسبية تعاني من غياب مصارحة وطنية بشأنها، ومن مثالب عدة لعل أهمها مَن يتبنّاها ويطالب بها، ولأية أهداف، ومَن يريد أن يخدم بها. قد يقال إن الهدف الأول والأسمى هو الخلاص من الطائفية، لكن أشدّ المتحمّسين للنسبية هم الأكثر اعتماداً على الطائفية قولاً وفعلاً ومصالح، ولم يعطِ أحدهم طوال العقدَين الماضيين أي اشارة الى أنه راغبٌ في/ أو قادرٌ على مغادرة موقعه الطائفي، بل استقوى بالتمترس فيه، كما أنه لم يعطِ أي فكرة عن اختياره موقعاً وطنياً كبديل من موقعه الطائفي. النسبية والطائفية لا تلتقيان، والاستغناء عن الثانية هدف وطني مزمن ويستلزم مقدّمات تشريعية وحوارات وطنية، لكن تجبّر “حزب الله” وسلاحه غير الشرعي حالا وسيحولان دون توافرها. أما استخدام النسبية، أي اللعب بها، فلا يحقّق هدف الغاء الطائفية، بل يكرّسها بإنتاج غالبية برلمانية من طوائف متحالفة. لكن، متحالفة من أجل ماذا؟
لا داعي للتحايل على الذات وعلى الآخرين، فالعنوان السياسي الأهم يبقى الدور الايراني – الاسدي الذي يمارسه “حزب الله” في سوريا ولبنان، فمنه يأتي الخطر، لأنه يغامر بالبلد، شعباً ودولةً، وحكماً وحكومة. أصبح خروجه من سوريا أحد العناوين البديهية لانهاء الصراع، لكنه “باقٍ فيها من أجل هزيمة المشروع الارهابي بكامله”، بحسب ابرهيم أمين السيد بعد لقائه مع البطريرك. هو بالأحرى باقٍ في خدمة الكذبة التي اخترعها أسياده.