… واغتالوا لبنان والمنطقة أيضاً!

الياس الديري (النهار)

في الذكرى الثانية عشرة لغياب الشهيد الرئيس رفيق الحريري يجد اللبنانيّون أنفسهم في حال من الضياع، ذلك الضياع الذي كان يحاصرهم إبّان الحروب القذرة، وحروب الآخرين، وحروب الطوابير الخامسة والسادسة.

عندما وصل الخلاص إلى بيروت وانتشرت رائحته ونكهته في أرجاء لبنان كان رفيق الحريري قد ملأ الوطن المشلَّع والممزَّق بالطمأنينة والأمل والارتياح.
وحين نضجت ثمرة الجهود الجبَّارة التي بذلها المنقذ الذي ينتقل من عاصمة إلى أخرى، ومن مشروع إلى آخر، في أقل ما يمكن من الوقت والأيام والأشهر، وحين انتقلت المبادرات لاعادة بناء الدولة على أسس حديثة، وفي ظهيرة يوم أسود خسر لبنان منقذه.
أدرك العقلاء من اللبنانيّين أن الذين اغتالوا الرئيس الحريري أرادوا اغتيال لبنان الذي استقطب مجدّداً دول المنطقة ودول الشرق والغرب، حاملاً كل الهموم بقلب مليء بالثقة، وبعزيمة نَدِر أن تحلّى بمثلها رجل دولة آخر.
اغتالوه، وهم متأكّدون من أنهم يغتالون لبنان والمنطقة في وقت واحد. وفي اللحظة التي شعر فيها كل اللبنانيين وكل أصدقاء لبنان في العالم بأن شيئاً كبيراً وخطيراً يُهَيّأ للمنطقة العربيَّة. وللبنان طبعاً.
وهذا ما حصل ولا يزال يحصل…
لو لم يغتالوا رفيق الحريري لكان لبنان اليوم لا يُنافس بازدهاره، ويستقطب للقضايا العربيَّة معظم الدول، ذات التأثير الفعَّال والمجدي. لقد أسَّس شبكة من العلاقات المتينة مع العواصم الكبرى جعلته يبدو كأنه معني بكل القضايا العربيَّة… ويحمل همومها بمنزلة واحدة مع هموم لبنان.
هكذا بدأت الكارثة تتوسَّع بنفوذها، لتلفَّ البلد الصغير من الجهات الأربع، وتشلُّ حركته في كل شاردة وواردة. تعطّلت المؤسَّسات. حلَّ الفراغ ضيفاً ثقيل الوطأة، وبصحبته فسادٌ لم يعرف لبنان مثيلاً له منذ صار كبيراً…
مرَّت شهور وسنوات على هذا المنوال، حتى اهتدى اللبنانيّون بعد عناء ويأس الى انتخاب رئيس للجمهوريَّة، وكان قد مضى على الفراغ الرئاسي عامان ونصف الثالث.
ثم كانت حكومة مكتملة الأوصاف والعدد، تمثَّلت فيها كلُّ الفئات والأحزاب والتيارات. كما نالت بركة الجهات المؤثّرة، و… سيري فعين الله ترعاكِ، برئاسة سعد الحريري.
منذ الأسبوع الثاني أو الثالث لانتخاب الرئيس ميشال عون بدأ الكلام يوسع نطاق حديثه عن الانتخابات النيابيّة ومشكلة قانون الستّين. ارتفعت اللاءات من كل حدب وصوب. لكن المهلة الدستوريَّة تكاد تنقضي من غير أن يكون في اليد قانون انتخاب جديد…
فهل في الأفق مشروع فراغ، أو ماذا؟