الفراغ والمتغيِّرات ولغْز القلَق الدولي!

الياس الديري (النهار)

على رغم كل العلل والمصائب التي ابتُلي بها ولا يزال أسيرها، لا خلاف على أن للبنان موقعه الخاص و”المميّز” في قلب العالم العربي، وعلى مستوى الشرق الأوسط الذي كانت بيروت تشكِّل جسر تواصله مع الغرب والعالم.

بل حتى وإن كانت حالات الزمان عليه شتَّى، وليس في مقدوره ملء فراغ رئاسي دهمه مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

إلا أن لهذا الموقع بالذات دوراً أساسيّاً في تعطيل البلد وشلّ مؤسساته لفترة غير محدَّدة، وإبقائه حيّاً وشبه محميّ تحت مظلَّة دوليَّة إقليميَّة، على ما يقول وزراء ونوّاب وأصدقاء “دوليّون”.

فالمنطقة مُقبلة على متغيٍّرات هي الآن في صميم ورشتها المفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى كل أنواع الحروب التي قد تُسفر عن نتائج تؤدّي مفاعيلها إلى إعادة صياغة ما “فَبْرَكه” لنا اتفاق سايكس – بيكو، وعلى نحو لم يكن وارداً حتى في مخيّلات أقرب المقرَّبين من صانعي التغييرات الدوليَّة الكبرى.

ولأن لبنان من هذا العالم وإليه يعود في كل شاردة وواردة، فإنه مُلزَمُ الآن تمرير وقت الانتظار وأوان التغييرات، من غير أن يتعرّض، أو يُعرِّضه بعض متزعّميه، لتجارب وخضّات وهزّات هو في غنى عنها، ولن تعود عليه إلا بالمزيد من الخسائر وأكل الأصابع ندامة.

وللرئيس نبيه برّي، مثلما لصديقه وليد جنبلاط، رأي شديد الوضوح في هذا الصدد، ولكلٍّ منهما كلام يومي ينبٍّه النائمين نومة أهل الكهف إلى أن ما تعيشه المنطقة العربيَّة، وخصّيصاً ما يحصل في سوريا والعراق، من شأنه ألا يُبقي لبنان “نائياً” نسبياً كما هو الآن عن الحروب المتداخلة طوائفياً ومذهبياً.

وخصوصاً بعد بروز نجم “داعش” واستيلاء جيوشها على المدن والأراضي ومصافي النفط، فضلاً عن سفور إيران عن دخولها فريقاً مباشراً في حروب العراق، والخير لقدّام.
وزير الخارجيَّة البريطانيَّة وليم هيغ صارَح زميله اللبناني جبران باسيل بـ”توجُّس بريطانيا من المماطلة في انتخاب رئيس للجمهوريّة”. وألحَّ بدوره إلحاح وزير الخارجيَّة الأميركيَّة جون كيري يوم زار بيروت على “ضرورة تحصين الاستقرار السياسي بانتخاب رئيس للجمهوريَّة”.

إلا أنَّ مثل هذا التوجُّس، أو ذاك الإِلحاح، لن يؤثٍّر في ثبات موقف “تكتّل التغيير والإصلاح” على تعطيل نصاب الجلسات الانتخابيَّة، والإصرار على هذا الموقف إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً…

لكن المحيٍّر في الأمر، والمثير للتساؤلات، كلام الوزيرين كيري وهيغ، وهل هما بعيدان مما يُحاك ويُخطط للمنطقة، أم تراهما “ينأيان” ببلديهما عن أعاصير المنطقة و”داعشاتها”، ويغسلان الأيدي من دم هذا الصدِّيق؟

وليد بك لا يخفي قلقه من “المخاطر والتحديات المقبلة”، ومعه حق. لكن تبقى مشكلة القلق الدولي، فالى مَنْ ننقله إذا كانت واشنطن ولندن تبشِّران به؟