انقلاب فاشل… أم “خطَّة” ناجحة؟

الياس الديري (النهار)

أيّاً يكن حجم السيطرة التي يحاول أن يتسلَّح بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد “مشروع الانقلاب” الذي لم يُكتب له النجاح، فإن تركيا دخلت مرحلة جديدة مجهولة للغاية قد لا يجدي معها تفرُّد أردوغان بكل السلطات والصلاحيّات.
وليس من الضروري أو المحتم أن يتمكَّن من التغريد وحيداً في سلطة كاملة، وبسيطرة آحاديَّة تعيد إلى أنقرة شيئاً من أمجاد تلك الأمبراطوريَّة التي طويت في صفحات الماضي.
مع الإشارة إلى أن ما حصل ليل الجمعة ليس أول انقلاب فاشل، أو آخر انقلاب تتعرَّض له تركيّا. ولا هو أول محاولة انقلابيَّة ترافقها حزمة من علامات الاستفهام والتعجُّب.
مَنْ يستطيع أن يضمن لأردوغان أن يكون الانقلاب الذي فشل قبل أن يبدأ هو آخر انقلاب؟ أو آخر محاولة قد تكون أكثر جديَّة وأشمل عسكريّاً؟ وفي هذا السياق تساءلت محطة تلفزيون فرنسيَّة ان كانت أنقرة قد عادت الى نادي الانقلابات؟
فهل تحتل تركيا مقعد سوريا في الخمسينات والستينات؟
وهل تظهر واشنطن في دور متوسّطي جديد، تبدأ انطلاقته من إحدى ثكنات أنقرة؟
من المبكر، بل من السابق لأوانه إطلاق الأحكام والاحتمالات المتطرّفة، ما دام الرئيس التركي قد قرَّر فتح معارك متعدَّدة الهدف على نطاق واسع، وعلى مختلف الجبهات.
ما لفت المراقبين ومتابعي التطوّرات التركيَّة، أنه للمرة الأولى في تاريخ الانقلابات العسكرية يدفع جسم القضاء هذه الضريبة القاسية والمستغربة، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان فشل الانقلاب، وكأنّما القضاة هم الذين قادوا الانقلاب، أو اشتركوا فيه بأسلحة نادرة.
وهل هو رقم عادي، أو طبيعي، بلوغ عدد المعتقلين من كبار القضاة 755، فيما لم يتعدَّ بعد مجموع المعتقلين 7543؟
ثم، ما لفت الأنظار، في الداخل والخارج، مسارعة الرئيس المستهدف الى توجيه تهمة التحريض والاشتراك المباشر الى زعيم ديني وسياسي، مقيم في أميركا، وهو شريكه أيضاً في سالف الأزمنة، واسمه أشهر من اسم أردوغان سواء في تركيا أو في أميركا. وهل يخفى فتح الله غولن؟ وليس هذا فحسب، بل أنه يصرُّ على تسليمه هذا “المتآمر” على حكمه فوراً.
ذيول الأزمة ليست عابرة. فحين يتحدَّث أردوغان عن “فيروس منتشر داخل الدولة”، إنّما يبلّغ الأتراك بصورة خاصة أنه سيوسِّع حملة “التطهير”، و”التغيير” على نطاق واسع وشامل، سعياً الى جعل الدولة دولته الخاصة.
وبما يتلاءم ويتناسب مع طموحاته غير المحدودة… والتي قد يساهم في ترجمة بعض ألغاز رموزها قصر الألف غرفة وغرفة.
وهل ننسى قول “صديقه” فتح الله غولن أن أردوغان شخصياً خلف محاولة الانقلاب الفاشل؟