ترامب عنصري مثل هتلر تجاه الشعوب والدول الأخرى

رغيد الصلح (الحياة)

خصص الرئيس المنتخب العماد ميشال عون قسماً مهماً من خطاب القسم لبحث المعضلات والتحديات الأمنية التي تواجه لبنان وألقى ضوءاً على النهج الذي سوف يتبعه في معالجة هذه التحديات. ومن الأرجح أن تأخذ الحكومة اللبنانية الجديدة بالأفكار الأساسية التي تضمنها خطاب القسم مع بعض الإضافات التي لا تغير من مضمون الخطاب. لقد اعتبر الخطاب أن لبنان يواجه ثلاثة تحديات رئيسية: التحدي الإسرائيلي، الإرهاب، والصراعات الدولية والإقليمية والمذهبية. هذه التحديات تواجه العديد من الدول العربية والمشرقية، ولكنها تتقاطع وتتشابك على أرض لبنان كما لا تفعل في باقي دول المنطقة. فكل جهة من الجهات التي تقف وراء هذه التحديات ترغب في الاستحواذ على لبنان ليس كهدف في حد ذاته فحسب وإنما أيضاً لأنها تعتقد أنه يساعدها على تحقيق أهدافها على نطاق المنطقة والعالم.

وسوف تتفاقم هذه التحديات بعد اعتلاء دونالد ترامب منصة السياسة الأميركية حاملاً معه الى البيت الأبيض أجندة عنف وتطرف. البعض يسعى الى التخفيف من خطر «الترامبية» قائلاً أنها تعبير عن الانعزالية الأميركية في السياسة الخارجية، ومن ثم فإنها ستحد من وطأة التدخل الأميركي في المنطقة العربية. تأكيداً لصواب هذا التحليل، يشير هؤلاء الى الانتقادات التي وجهها ترامب الى حرب العراق. البعض الآخر يقول: حتى لو كان ترامب نصيراً لسياسة القوة، فإنه لا يعرف كيف يديرها وهذا من شأنه أن يوقعه في مطبات عديدة تستهلك جزءاً كبيراً من جهده وتصرفه عن التركيز على الشرق الأوسط وعن الصراعات الدائرة فيه. هذا الوضع سوف يمنح القوى الفاعلة في المنطقة فترة سماح تمكنها من استغلال «الفوضى الخلاقة» التي تحكم المنطقة لمصلحتها بدلاً من أن تستغلها واشنطن لمصلحة الولايات المتحدة ولمصلحة حلفائها الأقربين بخاصة إسرائيل.

هذه الانطباعات تشبه ردود فعل بعض القوى والأحزاب اليسارية في أوروبا على صعود هتلر الى السلطة عندما استبشرت بالمعاهدات التي عقدها مع بعض الزعماء الأوروبيين واعتبرت، في الوقت نفسه، أن انهيار الحكومات الديموقراطية في ألمانيا وفرنسا يمثل مرحلة احتضار الرأسمالية الأوروبية ومقدمة لا بد منها لانتصار الديموقراطية في العالم! لقد دفعت الدول الصغيرة والكبيرة في أوروبا ثمناً باهظاً بسبب صعود الهتلرية، ومن الأرجح أن تدفع مثل هذه الدول، ليس في أوروبا فحسب بل في العالم، ضريبة كبيرة مع صعود «الترامبية». إن «الترامبية» تختلف عن الهتلرية من حيث إن الأولى هي عنصرية عفوية وشعبوية، في حين أن الهتلرية كانت عنصرية مؤسسية ونخبوية. وما عدا ذلك فإن بين الهتلرية والترامبية تشابهاً كبيراً بخاصة في النظرة تجاه الشعوب والأعراق والدول الأخرى، وتجاه إدارة السياسة الدولية والعلاقات الخارجية. السؤال هنا: هو هل من وسيلة أو وسائل ومناهج يمكن أن تعتمدها الدول الصغيرة مثل لبنان للحد من آثار صعود ترامب الى قمة الهرم السياسي الأميركي فالعالمي؟ كيف تتعامل مع رئاسة أميركية لا تأبه للشرعية الدولية ولمؤسساتها؟

لقد خطا اللبنانيون خطوة مهمة، عندما خرجوا من الأزمة السياسية المستعصية بانتخاب رئيس جديد وبالاتفاق على رئيس للحكومة المقبلة. وحدد الرئيس عون خيارات صائبة يمكن اللبنانيين اللجوء اليها من أجل التخفيف من وطأة التحديات على بلدهم ودرئها عن أنفسهم. تضمنت هذه الخيارات حماية لبنان من أطماع إسرائيل، والابتعاد عن الصراعات الخارجية. كذلك تضمنت هذه الخيارات الالتزام بميثاق الجامعة العربية الذي يدعو الدول العربية الى التعاون والتنسيق في ما بينها، والذي يحظر في الوقت نفسه على الدول الأعضاء التدخل في شؤون بعضها البعض الداخلية وباتباع سياسة خارجية ترسخ استقلال لبنان. فكيف يمكن تحقيق هذه الأهداف أو حتى قسم يسير منها في ظل الظروف العاصفة الدولية والإقليمية الراهنة؟

اختار عون جواباً ينسجم مع تجربته المهنية والسياسية، إذ وعد بأن يكون مشروع تعزيز الجيش وتطوير قدراته «هاجسه وأولويته… ليصبح الجيش قادراً على ردع كل أنواع الاعتداءات على الوطن، وليكون حارساً أرضه وحامياً استقلاله وحافظاً سيادته».

يعتقد عدد متزايد من قادة الرأي وأصحاب الخبرة والاختصاص في القضايا الأمنية والسياسية في لبنان أن إعادة العمل بقانون خدمة العلم الذي ألغي عام 2005 تشكل ركيزة مهمة وضرورية لتعزيز الجيش اللبناني. ولقد تم تمرير هذا القرار من وراء ظهر الرأي العام وبمعزل عنه. ومن المبررات القليلة التي سربت لتفسير قرار إلغاء قانون خدمة العلم القول أن هذا القانون تضمن العديد من الأخطاء والثغرات. ولكن هذه المبررات لم تكن مقنعة، لأن المشرعين الذين أتيح لهم النظر فيه أدخلوا العديد من التعديلات على القانون. رغم ذلك تم إلغاء القانون والتخلي عن ميزات خدمة العلم. وحتى هذا التاريخ، لم يعرف لماذا تم إسقاط القانون حتى بعد تعديله، رغم كل ميزاته والمنافع التي يحققها.

إن تطبيق خدمة العلم يزيد بداهة عديد القوات المسلحة، ويسمح بإسناد العديد من المهام والوظائف التي تستهلك جهود القوات النظامية الى جنود الاحتياط، بحيث يمكن الأولين من التركيز على مهام القتال. ويوفر التاريخ أمثلة كثيرة على الفوائد الكبيرة التي يحققها نظام خدمة العلم للدول التي تطبقه. فالخدمة العسكرية الإلزامية مكنت الإسرائيليين من إرسال أعداد من الجنود تفوق تعداد الجنود العرب في سائر جبهات القتال وسائر الحروب العربية – الإسرائيلية كما جاء في كتاب للمؤرخ آفي شلايم.

إن تطبيق خدمة العلم لا يعزز قوة الجيوش في الحروب فحسب، ولكنه يقوي ساعد الدول عند الانتقال من ساحات القتال الى طاولات المفاوضات أيضاً. فعندما أمر ستالين بالهجوم على فنلندا عام 1939 كان عدد القوات السوفياتية يفوق عدد القوات الفنلندية. ولكن تطبيق فنلندا الخدمة العسكرية الإلزامية سمح لقواتها المسلحة بالدفاع عن أراضيها وبإلحاق خسائر كبيرة بالقوات السوفياتية. وعندما توصل الفريقان الى اتفاق سلام بينهما، كانت خسائر فنلندا قرابة 26 ألف جندي، مقابل 168 ألف جندي سوفياتي. في نهاية المطاف، تغلب الاتحاد السوفياتي على فنلندا وأجبر الفنلنديين على التخلي عن قسم من أراضيهم وتقديم تنازلات أيضاً على صعيد العلاقات الاقتصادية، ولكن مقابل ذلك نجحت فنلندا التي طبقت نظام الخدمة العسكرية الإلزامية في منع السوفيات من احتلال البلاد وضمها الى الاتحاد السوفياتي كما نجح الفنلنديون أيضاً في التوصل الى اتفاق مع ستالين كان فريداً من نوعه، إذ وافق الزعيم السوفياتي على استمرار النظام الديموقراطي في فنلندا لقاء قيام «علاقات خاصة» بين موسكو وهلسنكي.

لئن حقق التجنيد الإلزامي للفنلنديين بعض آمالهم في الحفاظ على الاستقلال والوحدة الترابية، فإن السويسريين الذين طبقوا هم أيضاً النظام نفسه كانوا أفضل حظاً من أقرانهم الأوروبيين. فعندما علم السويسريون أن هتلر ينوي احتلال سويسرا، قاموا بإطلاع القيادة العسكرية الألمانية على النهج الذي ينوون اتباعه لمنع القوات الألمانية من تحقيق أهدافها. وعندما وقف كبار العسكريين الألمان على مدى التقدم الذي أحرزه السويسريون في مضمار التجنيد الإجباري، قام أولئك القادة الألمان بإقناع هتلر بصرف النظر عن مهاجمة سويسرا.

هذه الأمثلة والنماذج تدل على أن الدول الصغيرة تستطيع الحفاظ على استقلالها وسيادتها وصيانة حريتها إذا استثمرت كل طاقاتها البشرية والطبيعية استثماراً واعياً. ينسحب هذا الأمر على اللبنانيين بخاصة على المؤسسة العسكرية اللبنانية. هذا ما تؤكده مشاعر التقدير التي يحملها اللبنانيون لهذه المؤسسة التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على النظام الديموقراطي في لبنان، ومن ثم في توفير الظروف المناسبة لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة. هذا ما تؤكده أيضاً المدائح التي يغدقها المراقبون الدوليون على الجيش اللبناني وعلى مستوى الحرفية العالية الذي يميز سائر المجندين فيه.

إن تطبيق قانون خدمة العلم سوف يساعد لبنان على الإبحار الآمن وسط الأنواء التي تعصف بالمنطقة وعلى التحول الى نموذج جديد لقدرة الدول الصغيرة على التغلب على التحديات التي تهدد استمرارها وسلامتها. فهل يعيد العهد الجديد النظر في هذا القانون؟

اقرأ أيضاً بقلم رغيد الصلح (الحياة)

قبل أن تنجح مشاريع ترحيل الجامعة العربية

سباق السلام والإعمار في المنطقة العربية

الاقتراع الإلزامي واللبننة الجديدة

«الديكتاتور العادل» وأزمة الحكم في العالم العربي

تركيا بين النظام الرئاسي والديموقراطية

قمة الأطلسي وانتقاء العدو المناسب

الحلف الهندي مع إسرائيل والشراكة مع إيران

أوروبا والعرب … إذا حكمها اليمين المتطرف

العلاقات الروسية – الإسرائيلية إلى أين؟

تحسُّن طفيف ولكن مشجّع في الجسم العربي

هل هناك حاجة الى قمم عربية دورية؟

الاتحاد الأوروبي باقٍ

ورقة الصين العربية والفرص الضائعة

العروبيون اللبنانيون والعلاقات مع سورية

«إعادة التمحور» بين الشرقين الأدنى والأقصى

التعددية في لبنان تجربة مهمة للعرب

إرهاب ضد العرب في أوروبا

الحاجة إلى استراتيجية موحدة ضد الإرهاب

أخطار الحرب العالمية الثالثة بسبب الأزمة السورية

اليسار الجديد ومتاعب الإتحاد الأوروبي